yakdhom
بواسطة في نيسان 9, 2021
66 المشاهدات
بقلم : عبدالباري عطوان
بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن في اشعال فتيل الحرب الباردة ضد الصين المنافس الاستراتيجي الأكبر لبلاده في استشعار مباشر للأخطار السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تشكلها الصين على الهيمنة الامريكية على مقدرات العالم التي استمرت منذ الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي.
الاستراتيجية الامريكية الجديدة ضد الصين تتضمن العديد من الخطوات تحاكي بعضها خطوات مماثلة جرى اتخاذها ضد الاتحاد السوفييتي اثناء الحرب الباردة الأولى، ويمكن ايجازها في النقاط التالية:
أولا: تشكيل تحالف جديد من الديمقراطيات بزعامة الولايات المتحدة ومشاركة دول أوروبية ضد الأنظمة الاستبدادية في العالم على رأسها الصين، وبدرجة اقل روسيا، مما سيؤدي الى تقسيم العالم على أرضية ايديولوجيات متصارعة.
ثانيا: اصدار مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يحمل اسم “قانون المنافسة الاستراتيجية” يهدف الى السماح للولايات المتحدة لمواجهة التحديات التي تشكلها الصين، مع التشديد على سرقة الملكية الفكرية، وتعزيز العلاقات مع تايوان.
ثالثا: كشف النقاب عن انتهاكات حقوق الانسان، ليس في العمق الصيني، وانما ايضا في هونغ كونغ، ومناطق اتركمان الايغور الاسلامية في غرب الصين، وتسليط الأضواء على الاعتقالات الجماعية والاغتصاب الجنسي.
***
التطبيق العملي للخطوات الثلاث بدأ بإرسال صفقات أسلحة متطورة الى جزيرة تايوان وحاملات طائرات وسفن حربية وامريكية لإجراء مناورات في خليج المياه الذي يفصلها عن الوطن الام في استفزاز مباشر استدعى تحرك سفن حربية صينية في المنطقة، كما فرضت واشنطن عقوبات جديدة على سبعة كيانات صناعية تكنولوجية صينية منتجة للحواسيب الذكية المتطورة جدا التي يمكن ان تستخدم في تعزيز القدرات العسكرية الصينية.
إدارة بايدن بمثل هذا التحرك تريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء، ونصف قرن على الأقل، وبالتحديد الى ذروة الحرب الباردة ضد الإمبراطورية السوفيتية، وهذا يعني وللوهلة الأولى ان هذا النهج الذي نجح في تفكيك هذه الإمبراطورية يمكن ان ينجح في تفكيك الصين، وهذا خطأ كبير لا يعكس تطورات الامر في جوانبه التكنولوجية والعسكرية في السنوات العشرين الماضية، وتحقيق الصين “الشابة” قفزات كبيرة في هذا المضمار.
دور إقليم الشرق الأوسط في هذه الاستراتيجية القديمة المتجددة سيكون الدور نفسه الذي لعبته دول عربية وإسلامية في الحرب الباردة، أي دور التبعية والأداة في تنفيذ الحروب الامريكية مثلما كان عليه الحال في أفغانستان.
الامر المؤكد ان حلفاء أمريكا العرب سيكونون أعضاء “مهمين” في “تحالف الديمقراطيات” الذي بدأ يايدن تشكيله لمواجهة الأنظمة الاستبدادية، رغم ان معظم الدول العربية الحليفة لأمريكا ليست ديمقراطية، ومن المفترض ان تقف في خندق الاستبداد المقابل، مما يعكس هشاشة القاعدة الأيديولوجية لهذا التحالف وزيفه.
المسألة الاخرى التي تشكل نقطة ضعف جوهرية في هذه الاستراتيجية الامريكية الهجومية الجديدة هي استخدام ورقة حقوق الانسان ضد الصين، وتحشيد العالم الإسلامي ضد انتهاكاتها المزعومة في إقليم الايغور، وهو استخدام غير مقنع ومحكوم عليه بالفشل لعدة أسباب، ابرزها ان امريكا التي غزت العراق ودمرته وقتلت مليوني من أبنائه، وتدخلت عسكريا في سورية وليبيا وحولتهما الى دولتين فاشلتين تقريبا، هي آخر دولة يجب ان تتحدث عن حقوق الاسان، ونصرة المسلمين، وحمايتهم من الاضطهاد.
ما كان يصلح قبل خمسين عاما او مئة عام، لا يمكن ان يصلح اليوم، فالصين شيوعية اسما، ونظامها الاستبدادي حولها الى اقوى اقتصاد رأسمالي في العالم، وبدأ الشعب الصيني يعيش مرحلة الرفاهية التي حرم منها في زمن حصر الأولويات للتقدم الاقتصادي، وباتت الصين اكثر استقرارا من الولايات المتحدة نفسها، والاهم من ذلك ان الدول الخليجية التي كانت تمول وتخوض حروب أمريكا ضد الشيوعية تقف على حافة الإفلاس، بسبب تراجع أسعار النفط، وكميات انتاجه، وانخفاض استهلاكه، توقع صندوق النقد الدولي ان يتم هذا الإفلاس ابتداء من العام 2030، حيث سيتم انتاج آخر سيارة تستخدم البترول، وغرق هذه الدول في الديون الداخلية والخارجية.
***
إدارة الرئيس بايدن تتخبط في سياساتها وابرزها العودة الى سياسة العقوبات التي بالغت في فرضها إدارة ترامب على ايران والصين وروسيا وفنزويلا، الامر الذي سيزيد من صلابة وحدة هذه الدول، وتعزيز تحالفها الجديد الذي يتبلور لمواجهة حلف “الناتو”، والتكتل الرأسمالي الغربي.
العرب والمسلمون يجب ان لا ينخدعوا مرة أخرى بالأكاذيب الامريكية حول الديمقراطية وحقوق الانسان، ويقفون مرة أخرى في خندق واشنطن ضد المحور الروسي الصيني الناشئ، والأكثر قوة وزخما، والا سيدفعون ثمنا باهظا، ولهذا يجب ان يقرأ حلفاء واشنطن القدامى الجدد التاريخ جيدا، ويستخلصون الدروس والعبر وقبل ان تحل بهم الكارثة.. والله اعلم.
نشر في: المجتمع
أعجبني (3)
جارٍ التحميل...
3