الحلم القاتل
ابو علي البصري رجل أربعيني العمر عام ١٩٨٣ كان معي في سجن ،،أبو غريب،، قسم الأحكام الخاصة ، في قاعة مليئة بالبشر تسمى ( المطعم )…
كان يكلم نفسه احيانا ، ويهز بيده ويضع رأس بين ركبتيه …
ذا... عرض المزيدالحلم القاتل
ابو علي البصري رجل أربعيني العمر عام ١٩٨٣ كان معي في سجن ،،أبو غريب،، قسم الأحكام الخاصة ، في قاعة مليئة بالبشر تسمى ( المطعم )…
كان يكلم نفسه احيانا ، ويهز بيده ويضع رأس بين ركبتيه …
ذات يوم سمعته يسأل نفسه (( الفروخ ياهو اليعيشهم ))؟
أتته الاجابة من عينيه ، حيث تساقطت دموعه …
تقربت منه أكثر ، سلمت عليه فرد السلام بأحسن منه وهو يمسح دموعه …
قلت له ( شلونك عمي ابو علي ) فقال الحمد لله …
كان عمري في ذلك الوقت ( ٣٠ )سنة …
اخذت أصبر عليه ببعض كلمات متعارف عليها في ضروف المحنة تعلمناها من سيرة أئمتنا عليهم السلام ، ثم سألته عن سبب سجنه فقال لي ؛
( عمي سالفتي ماتتصدگ )
فقلت له لماذا ؟
قال ، ( عمي سبب سجني حلم حلمته وسولفته لمرتي )!
أستغربت الموضوع حقيقةً فقلت له :
( شلون عمي شنهي علاقة الحلم بمحكمة الثورة وعواد البندر )؟
قال :
( حلمت كأني انا ومرتي رايحين نزور الامام الرضا عليه السلام ، ومن فزيت الصبح سولفته لمرتي …
مرتي طارت من الفرح ، العصر تگعد وي نسوان المحلة بالشارع وسولفت الحلم للنسوان ، وچان وي النسوان مرت الرفيق جيرانه ، راحت مرت الرفيق سولفته لرجلهه ، رجلهه كتب عليه تقرير على انه آنه ومرتي رايحين لأيران نزور الرضا عليه السلام ، ثاني يوم أجوني الأمن للدائرة واعتقلوني )
كان ابو علي موظف خدمة في البلدية كما عرفت منه في أول اللقاء بيننا …
تصوروا في ذلك الوقت أيام الحرب العراقية الايرانية ويأتي للأمن تقرير عن عائلة بصرية سافرت الى ايران للزيارة بشكل غير رسمي …
فقلت له ؛
انت شلون اعترفت على نفسك وانت لم تسافر ولم تزور الامام عليه السلام ؟ فقال :
(( لاعمي مااعترفت كلتلهم حلم حلمته بالليل ، بقوا يدگون عليه شهرين بأمن البصرة وما اعترفت ، ومن خذوني لمحكمة الثورة گلت للحاكم ،،عواد البندر،، سيدي حلم ، گالي ( منعول والدين انت لوما مفكر بالزيارة ماحلمت )!
وحكمني ٧ سنوات ومصادرة أموالي المنقولة وغير المنقولة ، منعول والدين حسباله عندي عمارات وآنه عامل بلدية )
تصوروا اعتقال وتعذيب بمختلف الاساليب الوحشية على حلم حلمه الرجل في عهد أيام الخير التي يحن عليها بعض الدونية !٠
قلت له :
ابو علي سمعتك تحچي وي نفسك تگول الفروخ ياهو اليعيشهم ؟
بكى بصوت مسموع وتناثرت دموعة ثم قال بصوت مخنوق :
عمي عندي بنيات ٣ وولد واحد زغير ، وماعندي أخوان ، ومادري شلون راح يعيشون ؟!
فتذكرت والدي ووالدتي رحمهما الله الذان كانا معي وهم كبار سن ومنكوبين قبل سجني بشهيد وهو أخي الاصغر في كلية العلوم سنه رابعة ، أعدم ولم نستلم جثمانه الى يومنا هذا …
لم أتمالك نفسي فقابلت صاحبي وبكيت واستمر بكائنا حتى أرتوينا بكاءاً …
#توثيق_سنوات_الجحيم
اقرأ بصمت وأبكي بصوت مرتفع
من هو قاسم ابو الغاية؟
الاستاذ قاسم مدرس علوم كردي فيلي من بغداد له ثلاث بنات وكبيرتهم ذهبت الى خارج العراق لإكمال دراستها العليا ، وكان استاذ قاسم يجيد ثلاث لغات بالإضافة... عرض المزيداقرأ بصمت وأبكي بصوت مرتفع
من هو قاسم ابو الغاية؟
الاستاذ قاسم مدرس علوم كردي فيلي من بغداد له ثلاث بنات وكبيرتهم ذهبت الى خارج العراق لإكمال دراستها العليا ، وكان استاذ قاسم يجيد ثلاث لغات بالإضافة إلى اللغة الكردية والعربية وبطلاقة، هذه اللغات هي الانكليزية والفرنسية والروسية .
كانت العائلة تسكن بغداد وبحالة مادية جيدة ، وتعيش السعادة والاستقرار .
في نهاية عام ١٩٧٩ اعتقل رجال الأمن العائلة كلها وبعد مضي اسبوع قاموا باخذ قاسم بمفرده الى سجن من الصباح ويعاد المساء الى سجن عائلته وآثار التعذيب واضحة على جسمه وزوجته تمسح منه الدماء وهو يأن ويصيح من الالم ، وتتكرر هذه الحالة يوميا .
لم ينفع مع استاذ قاسم التعذيب حتى أخذوا بناته ومارسوا التعذيب عليهن واعترفت إحداهن على اجتماعاته في البيت ، وأثبتت التهمة عليه.
بعدها اعادوا استاذ قاسم لزوجته من دون البنات ، وكانت تسأله عنهن وقال لا اعلم اين ذهبوا بهن ، وقام يصرخ بالسجن بصوت عالي اريد بناتي ، حتى عملوا له مواجهة معهن لمدة عشرة دقائق وذكرت له احداهن أنه تم الاعتداء عليهن فستشاط غضبا وتألم جدا.
وأعيد لزوجته وقص لها الحال وبعدها لم يرى بناته اطلاقا.
بدأ كل يوم بالصراخ والمطالبة بهن ويصيح ماهي الغاية من اخذهن، وأثرت هذه الحادثة عليه نفسيا وشعرت زوجته أنه بحالة غير طبيعية وبدأ وضعه النفسي ينهار تدريجيا.
ثم تم أخذ زوجته الى سجن اخر ومارسوا معها انواع التعذيب للاعتراف عن الأشخاص الذين يترددون على زوجها ، ولكن من دون نتيجة لصمود المرأة وتحملها من دون البوح بأي معلومة.
ارجعوها الى مكانها الاول مع زوجها وكلما تسأل عن البنات يقولون لها سفرناهن الى ايران.
وكانوا يقولون سوف نسفركم بعدها وانتي تعودين إلى أهلك ، فرفضت واصررت أن تكون مع زوجها ، وكان همها على بنتها في الخارج أن لا تعود للعراق ولكن كيف توصل لها الاخبار.
بقيت تنتظر التهجير الى أن حصل وهجروهما معا من دون البنات ، وقالوا انهن امامهم في ايران .
دخلت مخيم اللاجئين في مدينة جهرم وفورما وضعت قدمها فيه بدأت تسأل عنهن وتبحث كالهائمة في كل مكان من المخيم ومن دون جدوى ، واستاذ قاسم يصرخ الله اكبر الله اكبر اريد بناتي حتى فقد عقله تماما ، واصبح لا يعرف زوجته وترك خيمته.
ولم تمضي مدة والام في حالة يرثى لها والنساء المهجرات يجتمعن حولها لمواساتها وقضاء حوائجها وهي مشغولة الفكر ببناتها حتى فاجئها ارتفاع ضغط دمها لتتوفى في مستشفى المخيم عام ١٩٨١ وتدفن هناك غريبة مهضومة من دون أن يعي بها زوجها الذي فقد عقله.
اُلحِق قاسم مع مجموعة المجانين في المخيم برعاية ابو علي راعي المجانين ، وكان يجمع الحصى ويضعها في جيبه ويصنع من التراب اشكال معينة ويقول هذه هي الغاية ، وبعض الاحيان يفاجيء احد الاشخاص بضربه ويقول هذه هي الغاية حتى عرف بالمخيم قاسم ابو الغاية.
وفي عام ١٩٨٢ زارت المخيم لجنة من الأمم المتحدة لأمور الاجئين وكانت ضمن الوفد بنتهما التي في الخارج وبدأت تسأل عن امها وقيل لها إنها توفيت فصدمت من الخبر فأنهارت بالبكاء و وسألت عن ابيها فشرحوا لها حاله فذهبت إليه عله يعرفها فجاءته بلهفة ودنت منه هو جالس وهي تعانقه وتخاطبه: بابا .. بابا
وهو يضحك ولا يعي شيء عما يحدث حتى انهارت بالبكاء ووضعت رأسها بين ارجلها تبكي وبحرقة حتى بدأ جميع الوفد الأجانب معها في البكاء وكان مشهدا حزينا لا يوصف.
اين انت ياستاذ قاسم هذه بنتك المدللة الكبيرة الوحيدة التي بقيت في الحياة وقد جاءتك من مكان بعيد ، لكن استاذ قاسم قد تحول إلى قاسم ابو الغاية المجنون بالملابس الرثة الهزيلة.
لم تستطع البنت تحمل حالة والدها وهو أملها الوحيد في الحياة الباقي من عائلتها ، فساورها الامل بإعادة عقله له ليرجع استاذ قاسم ، فصحبته معها إلى طهران لعرضه على الأطباء ، لكن من دون فائدة فقد أُعيد بعد شهر الى المخيم ليعيش مع بقية أصحابه المجانين ، وتودعه البنت بحرقة ولوعة وتنفض يدها من كل امل لبقاء احد من عائلتها لتحكي معه قصة عن طفولتها عن امها عن أبيها عن اخواتها الصغيرات لتشعر ولو للحظة بالحنان وأنها جزء من هذه الدنيا .
استمر قاسم على حاله إلى أن تم نقلهم إلى مخيم اصغر من الموجود يقع في مدينة ثانية اسمها ملاوي ليموت هناك ويدفن فيها ، بعيد عن مدفن زوجته .هكذا انتهت عائلة استاذ قاسم وطوى عليها الزمن حالها كحال بقية جرائم البعث المنسية في العراق.
#توثيق_سنوات_الجحيم
لاتنسى أن تلعن صدام اللعين والبعثيين جميعاً
page=1&year=&month=&hashtagsearch=%D8%AA%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82_%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AD%D9%8A%D9%85
تحميل المزيد