يُمَثِّلْ مُصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع القضايا الدولية، حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في ا... عرض المزيديُمَثِّلْ مُصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع القضايا الدولية، حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، وعلى خلاف مفهوم الفوضى المُثقل بدلالات سلبية كعدم الاستقرار أُضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يُخفى خُبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح (الفوضى الخلاقة) لأغراض التضليل والتمويه.
حيث كَشفت تسريبات ويكليكس - WikiLeaks أنَّ المُؤسسات العالمية الأمريكية وفي طليعتها وزارة الخارجية الأمريكية ومؤسساتها الإستخبارية، ومؤسسات بحثية أُخرى، تقوم بجمع مدى وحجم من المعلومات تشمل - تقريباً كل - ما يتعلق بالخلافات المحلية وأطرافها ورموزها وأسبابها وحجمها. ولا يقف الأمر عند حد الخلافات، بل يتعداه إلى قراءة تركيبة القوى الإجتماعية ومطالبها وطبيعة الأنظمة والقدرة على استجابتها لتلك المطالب أو عجزها عن ذلك. لقد طورت الولايات المتحدة الأمريكية هذا النهج، وصاغته في نظرية تعامل استراتيجي، تتيح لها أن لا تضطر للجوء إلى العمل العسكري المباشر إلا كخيار أخير، خاصة بعد التجربة الفيتنامية. فماهي الفوضى الخلاقة؟
مفهوم الفوضى الخلاقة
ربما يعتقد الكثيرون أنَّ مُصطلح الفوضى الخلاقة مصطلح جديد ظهر بعد التفرد الأمريكي بزعامة العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والواقع أنَّ المصطلح ظهر لأول مرَّة عام 1902 م على يد المؤرخ الأمريكي تاير ماهان - Alfred Thayer Mahan، ليتوسع فيما بعدها مايكل ليدين - Michael Ledeen ويسميها الفوضى البنَّاءة أو التدمير البناء وذلك بعد أحداث سبتمبر بعامين في 2003 ، وهذا يعني الهدم، ومن ثم البناء، ويعني هذا إشاعة الفوضى، وتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة البناء حسب، المخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة، وقد يكون أكثر المفكرين الذين تحدثوا عن هذا الأمر هو الأمريكي اليميني صامويل هنتنجتون - Samuel P. Huntington صاحب نظرية صراع الحضارات. وقد تلقفت مراكز البحوث والدراسات نظرية الفوضى الخلاقة، وأشبعتها بحثاً ودراسةً، والنظرية تعني باختصار أنَّه عندما يصل المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى المتمثلة في العنف الهائل وإراقة الدماء، وإشاعة أكبر قدر ممكن من الخوف لدى الجماهير، فإنَّه يُصبح من الممكن بناؤه من جديد بهوية جديدة تخدم مصالح الجميع.
إنَّ الفوضى الخلاقة هي عبارة عن فجوة وفراغ ينعكس عن استقرار المجتمع وتماسكه، وهو نتيجة رغبة في التغير أملتها تطلعات الفاعلين إلى تحقيق الحراك والتغير في شتى المستويات وخاصة منها السياسية والاقتصادية، وهي غالباً ما يتم تمويلها من الخارج. حتى وإنْ كانت عوامل التغيير داخلية فإنَّه يتم استثمارها وتطويعها بما يخدم مصالح الآخر الغربي الذي يسعى إلى الحفاظ على مصالحه. وعلى هذا النحو فإنَّها، أي الفوضى الخلاقة التي هي على حد تعبير صموئيل هنتنجتون: "الفجوة التي يشعر بها المواطن بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار بشكل أو بآخر.“