ج2تكملة تفسير...فهم يظهرون الولاءللمؤمنين ولاعدائهم من الشياطين:
وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا: آمَنَّا، وَ إِذا خَلَوْا إِلی شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْ... عرض المزيدج2تكملة تفسير...فهم يظهرون الولاءللمؤمنين ولاعدائهم من الشياطين:
وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا: آمَنَّا، وَ إِذا خَلَوْا إِلی شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ!.
يؤكدون لشياطينهم أنهم معهم، و أن ولاءهم للمؤمنين ظاهري، هدفه الاستهزاء.
و بلهجة قويّة حاسمة يردّ القرآن الكريم علی هؤلاء و يقول: اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ١.
الآية الأخيرة توضّح المصير الأسود المظلم لهؤلاء المنافقين، و خسارتهم في سيرتهم الحياتية الضّالة: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدی فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ.
بحوث
١- ظهور النّفاق و أسبابه:
حينما تندلع الثورة في منطقة معينة، فإن مصالح الفئة الظالمة الناهبة المستبدة تتعرض للخطر حتما، خاصة إذا كانت الثورة مثل ثورة الإسلام تقوم علی أساس الحقّ و العدالة. هذه الفئة تسعی للإطاحة بالثورة عن طريق السخريّة و الاستهزاء أوّلا، ثمّ بالاستفادة من القوة المسلحة و الضغوط الاقتصادية، و التضليل الاجتماعي.
و حين تبدو في الأفق علامات انتصار الثورة، تعمد فئة من المعارضين إلی تغيير موقفها، فتستسلم ظاهريا، و تتحول في الواقع إلی مجموعة معارضة سريّة.
هؤلاء يسمّون «منافقين» لانطوائهم علی شخصيتين مختلفتين (المنافق مشتقة من النفق: و هو الطريق النافذ في الأرض المحفور فيها للاستتار أو الفرار)، و هم أخطر أعداء الثورة، لأن مواقفهم غير واضحة، و الامّة الثائرة لا تستطيع أن تعرفهم و تطردهم من صفوفها، لذلك يتغلغلون في صفوف النّاس المخلصين الطيبين، و يتسلمون أحيانا المناصب الحساسة في المجتمع.
ثورة الإسلام في عصرها الأوّل واجهت مثل هذه المجموعة. فبعد الهجرة المباركة وضعت أول لبنة للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، و ازداد الكيان الإسلامي الوليد قوة بعد انتصار المسلمين في غزوة «بدر». و هذه الانتصارات عرضت للخطر مصالح زعماء المدينة، و خاصة اليهود منهم، لأن اليهود كانوا يتمتعون في المدينة بمكانة ثقافية و اقتصادية مرموقة. و هؤلاء أنفسهم كانوا يبشّرون قبل البعثة النّبوية المباركة بظهور النّبي.
كما كان في المدينة أفراد مرشحون للزعامة و الملكية، لكن الهجرة النّبوية بدّدت آمال هؤلاء المتضررون من الدعوة رأوا أن الجماهير تندفع نحو الإسلام، و تنقاد إلی النّبي الخاتم صلّی اللّه عليه و اله و سلّم حتی عمّت الدعوة ذويهم و أقاربهم.
و بعد مدّة من الدين الجديد، لم يروا بدّا من الاستسلام و التظاهر بالإسلام، تجنبا لمزيد من الأخطار الاقتصادية و الاجتماعية و حذرا من الإبادة، خاصة و أن قوّة العربي تتمثل في قبيلته، و القبائل أسلمت للدين الجديد لكن هؤلاء راحوا يخططون خفية للإطاحة بالإسلام.
بعبارة موجزة، إن ظاهرة «النفاق» في المجتمع، تعود إلی عاملين: أحد هما، انتصار الثورة و سيطرة الرسالة الثورية علی المجتمع، و الآخر: انهزام المعارضين نفسيا، و فقدانهم للشجاعة الكافية لمواجهة المد الجديد، و اضطرارهم إلی الاستسلام الظاهري أمام الدعوة.
٢- ضرورة معرفة المنافقين في كل مجتمع
ظاهرة النفاق و المنافقين لا تختص- دون شك- بعصر الرسالة الأول، بل هي ظاهرة عامة تظهر بشكل و آخر في كل المجتمعات. من هنا لا بدّ للجماعة المسلمة أن تعرف أوصافهم كما جاء في القرآن، كي تحبط مؤامراتهم و تقف بوجههم. في الآيات السابقة و في سورة المنافقين و هكذا في النصوص الإسلامية وردت للمنافقين أوصاف مختلفة منها:
١- كثرة الضجيج و الادعاءات الفارغة، أو بعبارة اخری كثرة القول و قلّة العمل المفيد المتزن.
٢- التلوّن و التذبذب، فمن المؤمنين يقولون «آمنا» و مع المعارضين يقولون «إنّا معكم».
٣- الانفصال عن الامّة، و تشكيل الجمعيات السرية وفق خطط مبيّتة.
٤- المكر و الخداع و الكذب و التملق و النكول و الخيانة.
٥- التعالي علی النّاس، و تحقيرهم، و اعتبارهم بلهاء سفهاء، إلی جانب الاعتداد بالنفس.
علی أي حال، ازدواجية الشخصية، و التضاد بين المحتوی الداخلي و السلوك الخارجي في وجود المنافقين، يفرز ظواهر عديدة بارزة مشهودة في أعمالهم و أقوالهم و سلوكهم الفردي و الاجتماعي.
و ما أجمل تعبير القرآن في حقّ هؤلاء إذ يقول: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، و أيّ مرض أسوأ من ازدواجية الظاهر و الباطن، و من التعالي علی النّاس؟!! هذا المرض مثل سائر الأمراض الخفية التي تصيب القلب لا يمكن إخفاؤه تماما، بل تظهر علائمه بوضوح علی جميع أعضاء الإنسان.
في مجلدات هذا التّفسير شرح أو فی لحالة النفاق و المنافقين لدی البحث في الآيات ١٤١- ١٤٣ من سورة النساء (المجلد الثالث). و في الآيات ٤٩- ٥٧ من سورة التّوبة (المجلد السادس).
و في الآيات ٦٢- ٨٥ من سورة التوبة أيضا (المجلد السادس).
٣- سعة معنی النفاق:
النفاق في مفهومه الخاص- كما ذكرنا- صفة أولئك الذين يظهرون الإسلام، و يبطنون الكفر. لكن النفاق له