قبسات
في اب 16, 2021
12 المشاهدات
في رحاب ابا الفضل والجود 🏴
العباس بن علي (عليه السلام) السابق و الصديق_ج١
#نص_المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
(والسابقون السابقون اولئك المقربون)
عند تمعننا في شخصية العباس، نجد صفتين قرآنيتين تتجلى في شخصيته (السابق، والصديق)، ما هي و كيف تجلت في العباس (ع)؟ وما هي الدروس التي نستفيدها من ذلك؟
اولاً: من هم السابقون؟
(السابق) هو من يكون قبل غيره، فهو أول من يؤمن، وأول من يضحي، و يتعلم الاخرون منه، فمثل السابقون بمثابة طلائع الجيش الذي تقتحم تحصينات العدو حتى يستطيع الجيش ان يلحق بهم.
وبهذا المعنى فإن السابق لا ينحصر في امةٍ من الأمم، فهو السبّاق الى الخير، الذي لا ينتظر الاجواء بل يخلق الاجواء الايجابية..
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ لِلْإِيمَانِ دَرَجَاتٍ وَ مَنَازِلَ يَتَفَاضَلُ الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ صِفْهُ لِي رَحِمَكَ اللَّهُ حَتَّى أَفْهَمَهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ سَبَّقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يُسَبَّقُ بَيْنَ الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ ثُمَّ فَضَّلَهُمْ عَلَى دَرَجَاتِهِمْ فِي السَّبْقِ إِلَيْهِ فَجَعَلَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ عَلَى دَرَجَةِ سَبْقِهِ لَا يَنْقُصُهُ فِيهَا مِنْ حَقِّهِ وَ لَا يَتَقَدَّمُ مَسْبُوقٌ سَابِقاً وَ لَا مَفْضُولٌ فَاضِلًا.
بهذا المعنى يكون (السبق) معياراً للأفضلية اضافة الى معيار (درجة) الايمان.
والله سبحانه وتعالى حينما يأمرنا ألى ان نطلب رحمته يأمرنا بالتسابق اليها:
" سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ"
فائدة: لابد ان نسابق الاخرين في فعل الخير، في الصلاة، في الزكاة، في الصدقة، في
المواكب الحسينية وغيرها نسابق.. فإن للسبق درجات عظيمة، فلنسعى لتأسيس مؤسسات و ندعو الاخرين اليها (فضل التأسيس)
* من فضائل امير المؤمنين ع الذي لا يشاركه فيها احد: اول الناس اسلاما!
ومع ان هناك روايات اكدّت على ان السابقين هم اشخاص معدودين، ولكن لم تحصر تلك الروايات بل بينّت السبق في زمانهم او بالنسبة الى قضية معينة، و ما يؤيده قول الصادق (ع): زُرَارَةُ وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَ بُرَيْدٌ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ.
وقد تكون فئة على مدى التاريخ هي السابقة، عن ابن عباس قال سألت رسول الله ص عن قول الله عز و جل وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فقال قال لي جبرئيل ذلك علي و شيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله بكرامته لهم.
ما هو جزاء السابقين؟
جزاء السابقين: يلتحق باعلى درجات و يلتحق بافضل الاشخاص، فتكون درجته مع الأنبياء، مع الصديقين مع الشهداء والصالحين ..
قال تعالى: " وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً"
ففي قبال طاعة الله و رسوله فحسب.. الطاعة التامة تلتحق بهم:
فللنظر الى هذه الرواية العظيمة.
قال جاء رجل من الأنصار إلى النبي ص فقال يا رسول الله ما أستطيع فراقك و إني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي و أقبل حتى أنظر إليك حبا لك فذكرت إذا كان يوم القيامة و أدخلت الجنة فرفعت في أعلى عليين فكيف لي بك يا نبي الله فنزل وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فدعا النبي ص الرجل فقرأها عليه و بشره بذلك.
فائدة: الله سبحانه لا يريد منّا الا الطاعة، والطاعة ايضاً لك، لتسمو لتكتمل شخصيتك ايمانك، تكون مؤهل لتجالس الأنبياء والأولياء و تجالس الرب (في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر)
العباس بن علي (ع) مثال السابق
واذا فتشت في واقعة كربلاء سوف لا تجد شخصية اعظم و افضل و اجلى لمثال السابقين من (العباس عليه السلام)
نحن عادة نركز على بطولة العباس و شجاعته و ايثاره .. ولكن انظر الى زيارة الامام المعصوم (ع) و شهادته له:
"أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة" و يقول "السلام عليكم ايها العبد الصالح المطيع لله و رسوله" و يقول" سلام الله و سلام ملائكته المقربين و انبياءه المرسلين وعباده الصالحين، و ملائكته المقربين، و جميع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي و تروح عليك يابن امير المؤمنين"
فهذه الشهادة تكشف لنا عن ابعاد البطولة في شخصية العباس، فهو الفقيه العارف، و البطل الصنديد، وهو الإنسان الكامل صاحب بطولة الروح قبل شجاعة السيف *
ثانياً: الصدّيق
يقول ربنا سبحانه: (واذكر في الكتاب ادريس إنّه كان "صدّيقاً" نبيّا)
ونقرأ في زيارة العباس (ع): (اشهد لك بالتسليم و "التصديق" والوفاء والنصيحة..) فما هي هذه الصفة حتى يشهد عليها الامام الصادق؟
و نقرأ في زيارة الائمة عليهم السلام: (السلام عليكم ائمة المؤمنين، وقادة المتقين، وكبراء الصديقين).
فمن هو (الصدّيق) وكيف صار العباس (صديقا)؟ (1)
في كل التجمعات والحركات و النهضات، هناك "قائد" يقوم بدورٍ محوري اساسي لا يختلف في اهميته احد.. ولكن دور (الشخص الثاني) في مسيرة الدفاع عن الرسالة دور محوري ايضا..
انظروا الى حركة النبي (ص) .. فحركة الإسلام الأولى كانت على عاتق النبي ولكن لا يمكن ان يُغفل عن دور محوري لأمير المؤمنين عليه السلام ايضا! فلو لا علي لم يقم للإسلام عمود و لا اخضر للإيمان عود.
لنتأمل في هجرة النبي الى المدينة، كيف رفض دخول المدينة قبل ان يلتحق به علي (ع)، .. كأنما ليقول للعالم لولا جهاد علي و لولا مبيته ولولا دفاعه و ايمانه لم يكن لأصل الى المدينة و أسس الدولة الاسلامية
ولهذا فعليٌ هو (الصديق الأكبر) (2) مع رسول الله .. و (عمار) و (مقداد) و (سلمان) و (ابوذر) صديقون مع رسول الله.
ومالك الأشتر (صديقٌّ) مع علي (ع)
و العباس بن علي (صديّقٌ) مع الحسين(ع)
ثم إنَّ الناس يتعلمون من (الصدّيق) كيف يتعاملون مع القائد.
فممن يتعلم الناس كيف يتعاملون مع رسول الله (ص)؟ من معاوية الذي يُرسل عليه النبي ثلاث مرات فيؤخر النبي لأنه منشغل بأمرٍ اهم: ملأ بطنه!، حتى يدعو عليه الرسول قائلاً: "اللهم لا تشبع له بطنا"، او من (فلان) الذي يقول للرسول : (ان الرجل ليهجر!) ..؟!
بل نتعلمه ممن يقول لاصبغ بن نباته: "ويحك انا عبدٌ من عبيد محمد" .. يتعلمون من علي (ع) الذي يرفض اكل الملذات في اواخر عمره الشريف (وقد مضى على رحيل رسول الله اكثر من ثلاثين سنة) لماذا؟ يقول (ع): "بأبي الذي.. لم يشبع من خبز البر ثلاثاً حتى قضى"
فلابد ان يكون مع رسول الله علي، ليتعلم الناس كيف يتعاملوا مع رسول الله، كيف يتحدثون معه، كيف يُطيعوه!
وكذا لابد ان يكون مع الحسين عباساً .. يتحاشى أن يناديه "يا اخي" اجلالاً له .. مسلماّ امره اليه.. وكما يقول الامام "اشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي (ص) المرسل.." حتى يتعلم الأصحاب ذلك، فيقلدوه في ذلك.
وثالثاً واخيراً لابد من (الصدّيق) حتى يعرفوا الناس قدر (القائد) اكثر! فحينما يمشي (العباس) في بطولته و شجاعته و فققه و مكارم اخلاقه كلها خلف الحسين .. عندئذ سيعرف الناس – الجاهل بقدر الحسين- مكانة الحسين
فائدة: اذا استطعت ان تكون كالـ(حسين)، المُصلحِ الثائر، المجاهد الشهيد، الإمام الفقيه فافعل!، ولكن إذا وجدت من هو أصلحُ منك و أفضل، فكن له (عباساً)، أي كن (الصدّيق) معه
فبهذا صار العباس (السابق-الصدّيق)
فسلام الله عليك يا سيدي يا ابا الفضل يا قمر العشيرة، وعلى اخوانك الطاهرين، وعلى الحجر الطاهر الذي تربيت فيه، على المرأة الكاملة، البطلة العظيمة، أُمِّك أمِ البنين و رحمة الله وبركاته.
__________________________________
(1) استندت في مبحث (الصديّق) على كتاب (العباس نصير الحسين) (للسيد المرجع الوالد حفظه الله) بتصرف و تلخيص واضافة
(2) انظر عشرات الروايات منها، الكافي ج8 ص29، التهذيب ج6 ص19
#قبسات لسماحه السيد #محسن_المدرسي
القياس: 934 x 1159
حجم الملف: 245.82 Kb
أعجبني (7)
جارٍ التحميل...
7