Moltka thfaf alrafdyn
في تشرين أول 20, 2021
63 المشاهدات
صديقة من نوع خاص
بقلم عزيز شرحبيل
كان لي صديقة اسمها فاطمة، وكان بيننا تيار واصل واحداث وأحاديث ينساب لها من الحبر وازنه، وتتزين لها من ألفاظ اللغة امهاتها، سواكا للسان وراحة للآذان.
كانت صديقتي تلك، تؤنس وحشة ايامي وتدك جبال المستحيل بعبارات تبسيط واستصغار، تتهاوى معها الانشغالات والأحزان ليسيطر احساس الطمأنينة ويرفع رايته ويثبت أركان حكمه، وكنت حينها أواجه تقلب الزمان وغياب شمسه عن سويعات حياتي، وما واكب ذلك من تفرق الأصحاب وتلكأ الخلان، وانقشاع الزيف عن بصري وصفاء بصيرتي. فكانت خليلي الذي يصنع من احتقان أيامي مروجا خضرة، وأجواء بهجة وانشراح. وكنت ارفع عيني إلى السماء واتأمل ما ارتسم على أديمها متحركه وساكنه، فتسطع ابتسامة طفولية مشاكسة على سويداء وجهي توحي بآيات السعادة. وبذلك تكون صديقتي فاطمة جواز مروري إلى دائرة الرضا وبلسما يشفي جراح الحياة وتقلبات الزمان.
ذات يوم ونحن على الطريق نبتغي الوصول إلى وجهة صنعتها الايام واقدارها، وانا خلف مقود السيارة، فاتني تربص أحد عناصر الدرك، ممن يتخذون من الأشجار والاحجار ستارا يتخفون وراءه ليسهل سقوط المتجاوزين لقانون الطريق، وتنبهت بعد أمتار انني كالفأر الواقع في مصيدة انتظر الخلاص على يد من يريد به شرا.
وماهي إلا أمتار؛ ولو انها باتت فوق المائة او الألف، فإنني كنت اتمنى ان تطول قبل لقاء من وكل اليه توقيع الجزاء على خطيئة ماكنت اقصدها وما كانت للعجلة حظوة عندي. وبينما انا تائه بين دروب أفكاري، سمعت صوتا لطالما كان ماء تطفئ نار همومي، قالت بحكمة ويقين:
لماذا تشغل نفسك؟ ألم اقل لك دائما أنه لن يوقفك شرطي او دركي او اي كان وانا بجانبك، ثم بدأت تقرأ قوله عز وجل:
"وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون" .
في كل مرة كانت تقرأها، تعقب قائلة بعد تجاوز حواجز الدرك والشرطة:
"أرأيت كيف انصرف الشر واندحر؟"
تقولها قول العارف المتيقن. وكنت في قرارة نفسي اسايرها في ذلك؛ لكنني مع مرور الوقت، أدركت ان يقينها ذاك مرده إلى ايمانها بقدرة رب السماء على تبديد الصعاب دون أن تشغل نفسها بمعرفة كيفية تحقيق ذلك. وبعدما كنت اسذج عفويتها، أصبحت احتقر كبرياء عقلي الذي يدفعني إلى اخضاع اعمال النية لمجهر المقاربة العلمية.
توقفت فاطمة عن تكرار الآية عندما احالني أحد رجال الدرك على أقصى اليمين، وكانت اول مرة يحدث فيها ذلك. وقبل أن أغادر إلى حيث رئيس الدورية قلت لها:
"لا تنجح الأمور دائما ههه"
لكنها قالت: "سترى بإذن الله".
وقفت أمام الضابط رئيس الدورية، وكان مظهره يشي بانه قد تعدى الخمسين بسنوات قليلة، مددت له وثائق السيارة استجابة لطلبه، وما ان انتهت إلى يمينه حتى شرع يتفحصها بسرعة. وبعد أن تأكد من سلامتها وصلاحيتها خاطبني بلسان المعاتب:
" لقد تجاوزت السرعة المحددة وستدفع ثمن ذلك".
حينها تذكرت كلام فاطمة وانخرطت في ضحك لا مبرر لزمكانه فانتبه واستفسر عن سببه فقلت له:
"أترى تلك السيدة الجالسة بجانبي، انها أمي، وهي تقول لي دائما ما دمت إلى جوارك في هذه السيارة فلن يوقفك شرطي او دركي او اي كان... الآن فقط سأثبت لها أن ما حدث سابقا كان مجرد صدفة" .
عندما اكملت كلامي، كان الضابط ينظر إلى حيث امي، ارجع الوثائق إلى محفظتها وامرني بالانصراف دون تحرير المخالفة.
لم أفهم ما الذي جعله يتجاوز عن مخالفاتي، ولكني أيقنت ان فاطمة أمي، بصيرتها تفوقت على إبصاري.
كانت ببساطتها دائما على حق... أدركت حينها ان التفكير فيما لا ندركه، ومحاولة عقلنة كل تفصيل صغير في حياتنا، لا يصمد امام الإيمان بقدرة الله على تحقيق المستحيل.
رحم الله صديقتي فاطمة التي أحببت فيها خصال الصديقة لان في الصداقة تطوع وفي الامومة التزام.
القياس: 600 x 398
حجم الملف: 17.31 Kb
أعجبني (1)
جارٍ التحميل...
1