Molqqqaa
في تموز 29, 2022
20 المشاهدات
علاء العتابي
كسوف الأرض
بعد أن تدمرت فرقتهِ العسكريه بحَرْبٌ ضَرُوسٌ لا رابح فيها، وقع مغشيا عليه بعد أن أرهقته سهر الليالي الست.
أستيقظ مرتعبًا خائفًا من صوت المدافع آلتي أثقلت سمعه المتهالك...
إِبْتَدَأَ بسحب جسده من بين رفات الجنود و أَجْثاثٌ لم يعرفها!
حسبها جثث العدو، وتبين له بعد حين إنها أجْساد رفاق كتيبته؛ شَوَّهَتِ وجوههم مَقَاذِيفُ المدافع !
يرفع رأسه مرة و يخفضها مرة أخرى خوفا من مُتَرَبِّصٌ قد يَرْصُدُه ، أو مُقْتَفي اثار يتبعه!
أمسى ساكنًا طيلة ساعات ذاك اليوم العصيب، صامتُ لا يسمع فيها شيء ؛ فلم تبقى الحرب نَفْساً قد يحسبها إِلَّا نفسه. كأن الحرب قتلت الطير فيها!
بانَ وقوع الشمس في مغربها؛ تيقن إنه لا ناجي اليوم.
رفع جسده ببُطء ، تحسسه بحذر شديد من جرح لا يؤلمه….. نزيفًا لا يوقفه !
زحف ببطء بعيدا عن موقعه، لا يعرف أين يذهب، أو إي جهة يقصد؛ فقد أفسدت المعركة بوصلة عقله.
وهو في خضم هذا التفكير ، قدماه تبحران صوب مكان مجهول؛ فَلَا صديق يلجَأ إليه ، ملجا يحميه.
بَعُدَ قليلًا قليلا ، تلفت شمالًا ثم يمينًا ،فلم يعد يبصر رفات رفاقه ، ولا أليات فرقته ، لا يرى إلا دخانها يتصاعد فوق الأفق البعيدة!
أضحت رجليه لا تساعدانه على السير!
ترتجفان جوعًا …. خوفًا!
يَتَوَكَّأُ على قدمه الثالثة.
جن عليه الليل، صار البدر دليله!
دليلًا غدار؛ يكشف عورات الأرض.
يتخفى بين الاحراش!
وهو في خضم هذا؛ لمحت عيناه بصيصًا من النور يسير في مسار تعرجه.
فتسمرت ساقاه خوفًا من القادم؛ كأن شيئا ما الصقها بلوح خشبي عتيق؛ كمسمار دق في باب مؤصدة.
إخافة شعاع الضوء؟
لربما عَدُوٌّ قادم نحوه، أم مقاتل ضائعًا مثله.
قد يكون سرابا….. لا: وهل السراب يظاهر في الليل ...
لربما لهيب إسقاطه ما …..لا: الحرب اصبحت خلفي.
لعلها ضياء فانوس لمخيم مراقبه، لربما شعاع كاشف من نقطة رصد !
الضوء ساكن؛ يضعف ويقوي!
ساسير نحوه.....
خطوة تدفعه إلى الأمام وخطوة توقفه، خطوات فخطوات لعل بها طريق نجاة.
ضوء يسبق الصوت، أصم، مالي لا أسمعه بأذني؛ فخطواتي غير مسموعه.
صوت دوي المدافع ما زال يطرق أذني.
باتَ الضوء قريبا، الضوء وَاضِحٌ
أشياء تقطع ناظري
لا …لا ذهب الضياء، لا…لا قد رجع الضياء، لا احْتَجَبَت الضياء مرة أخرى!
ماهذا!
كأنهم أشخاصًا يحجبون الضوء، يدورون حوله
ليس بأشخاص إنها اشباح غير مرئية !
إنها أرواح الموتى تلاحقني…. لا إنهم الأعداء إنهم الأعداء
شخصا ما يركض نحوي
بل أشخاص يركضون
شيئًا ما يدوس على قدمي
أبتعدوا عني..... أبتعدوا عني!
لا لا أتركوني!
يسقط مغشيا عليه
تسير فوق جسدي بدأت تصحيني
لا ارى النور ، أين ذهب
مازالت تطوف حولي
لا أستطيع أن أرفع جسدي، تجثوا على صدري
كانهم نائمون جنبي…..لا يتكلمون ولكن يتحركون
هل أسير بقبري؟
الأنوار تعاودني مرة اخرى
أقترب الضوء من عيني
أنهض يا هذا.......
من أنتم !
مازالت تلك الأصوات المرعبة تقلقني ، سبعة أيام ودوي المدافع لا يغادر مخيلتي!
رعبُ ما بعده رعب، وخوفُ يتلوه الخوف.....
لم يسلم من صوتها شيء ، حتى أغنامنا لا يفارقها الخوف!!!
فمنذُ ليلة الأمسِ إزدادت دويها
شتت طرقها المتواصل تناغم أغنامي ، بعضهن يلتفن حولي ، كنحلات أحاطت ملكتهن
والأخريات هربن فَلَا أستطيع أبصارهن ، ظلام الليل يكشف الأنوار
قد أصيب بقذيفة إِذَا ما أبقيت على شعلتي متوهجة!
لا .. لا يمكنهم رصدنا؛ أرض المعركة تبعد عنا عشرات الكيلومترات!
فما زلت في هذا المكان منذُ يومين ولم يمر بنا حد
فنحنُ في عُزْلَةُ تامّة عن العالم المادي؛ صناع الحروب لا يسلم من أَيَادِيهم شيء
سكتت صوت المدافع
حل السكون في المنطقه
هل أصبح السلام متاح؟
سكون صامت . سكون مخيف
دوي المدافع إسكن كل شي
حتى شِيَاهي صمتت، لم تعد ترتعد خوفا
ضَلَلْتَ طريقي،الهدوء يخيم علينا
لعل شِيَاهي تهدينا طريق القريه
شعلتي مازالت متوهجه
ها قد بدأت غنماتي تعاود طريقها صوبنا
تحسسني بدفئ العائلة ؛ فما أحْلَاها حياة الريف
أرى شَّخْصُ من بعيد، يتوارى بين الأحراش
هل خيال رجل؟ أم شاخص تحركه الرياح
أو لعله راعي فقد رعيته…. مستطرق قد ضَلَّ طريقة!
يا هذا …. يا هذا: أتسمعنا؟
أنظر صوبنا!!
سالوح له بالشعلة لعلها ترشده إلينا
ما هذا ! أين هو ؟ كيف اخْتَفَى؟
هل كان خيالا، أم نسيج خيال
لعلي أَرْهَقَت؛ المرعى أرهقني !
بدأ يعاود الظهور مره ثانية
بدت ملامحه تطفو فوق ظلمة الليل
كأني ارى زي مقاتل قادم نحونا!
وهل الحرب تترك ناجيًا هذه الأيام ؟
يا شِيٓاهي لا تسددن الطريق أمامي! قد أسقط شعلتنا
أنها دليلنا في هذا اليوم الأصم
لماذا يتوارى بين أغصان النباتات
يبدو أنه خائف منا!
لعل كثرتنا ترعبه......ها قد أقتربت منه .
ما هذا ….ما هذا؟......وقع مغشيًا عليه!
إنه حطام جندي...
لا تخف…. لا تخف! نحن هنا لنجدتك!!
أصحِ يا هذا......
أنبَأَني من أنت
هل نجوت من تلك المحرقه؟
وكم الناجين معك ؟ أَراكَ وحيدًا
من ...من أنتم بخوف شديد من جواب قد يرعبه، وابعدوا عني لهيب هذه الشعلة
لا تخف! راعية الاغنام في هذه البقعة
راعيه اغنام في منتصف الليل!
لا: فقد بزغ الفجر : نعم راعية الاغنام
فأين كلبك، لا أسمع نباحه! إذًا أنت راعية!
الأعداء قتلو كلابنا، فقد أفزعتهم صوت نباحها ؛ حتى أمسى صوتها أشد وطأة عليهم من وقع صوت المدافعُ
فمن يحمي قطيعك إذًا كنت راعية؟
هذا الكبش الجاثي على صدرك هو حامينا
فقد أخذ دور الكلب بعد أن أحس عوزنا لمن يحمينا، وهذه الشياه اللاتي تحيط بك مِن كل جانب تتبعه حيثما ذهب. فهن كظل الشيء للشمسِ
ألا تخبريه أن يبتعد عن صدري؛ قائمتيه اوقفت دقات قلبي!
جلس بعد أن وسع مكان جلوسه
احس بالأمان وهو يشم رائحة الاغنام
كيف ترعين في هذا المكان الخطر
هذه هي أرضنا، ترعى فيها أغنامنا منذُ سنين طويله ولكن شائت الأقدار إن تكون أرض الحرام
أين أهلك ؟
تحكي والدموع تابى توقفًا: أبي وأعمامي وأخواني سيق بهم للمعركة غصبا عنهم!
ومن بقي منهم مقاوما غطرستهم، قتلهم الاعداء
كلما تشتد المعارك إقترب أنا وأمي وخواتي من أرض الحرام لعلي أرى أبي أو أحد أخوتي جريحا كي أسعفه أو ميتًا حتى ادفنه!
يبكي معها والدموع يسكبها على لحيته آلتي غزاها شيب القهر والحزن على وطنه الجريح...
أبي وأمي يرجوا رجوعي أليهما سالمًا ، يمنعاني كل مرة من الألتحاق إلى أرض المعركه وأمي تخضب قدمي بحناء شعرها داعية لي بسلامة العودة.
فأقول لهما: أرجع محمولًا على نعشي أفضل من مشنوقًا أمام أعينيكم عند عتبة دارنا، فلأ تستطعين بكاءً ولا نحيبًا. ولن تجدي أختُ تشق لكِ جيدا ولأ أمُ تخرط لكِ خدا!
.
كفف دموعك، كفى حزنًا، ستبزغ الشمس عن قريب.
فأنت ألان بين عدوين؛ عدوًا يتربص بك ليقتلك، وصديقًا يناظر رجوعك فيعدمك.
دعني أعمل لك لوحًا تجره الأغنام وأغطيك بصوفها.
هيا معي أخفيك عن العيون في مزرعتنا إلى إن تنتهي المعركه و تتهيكل جميع فرق الجيش لتعاود التحاقك نادمًا على بقائك هنا حيا!
ومنها تفرح أمي و أخواتي مِن عائدًا من أرض المعركه فيعطيهم الأمل بعودة الأحباب.
فأمي و أمك يتشاطرن نفس الوجع.
فالأرض أصبحت سوداء من ظلم البشر.
علاء العتابي
الولايات المتحدة الاميركية
في ألبوم: صور يوميات Molqqqaa
القياس: 550 x 389
حجم الملف: 42.21 Kb
كن الشخص الأول المعجب بهذا.