Molqqqaa
في تموز 30, 2022
20 المشاهدات
قصة بقلمي عصام عبد المحسن
( اشتباه نبضات)
..
لم تنتابه حالة قلق حينما أستوقفه الشرطي قاطعا عليه الطريق بدراجته النارية والمتخفي داخل ملابس العامة، لكن و بصورة مفاجئة، يجاوره شرطي آخر لا يرتدي الزي الرسمي ليسأله عن هويته الشخصية، و هو يطبع على محياه ابتسامته المعهودة. و دون تردد، أعاد عليه سؤاله مطالبا إياه بالكشف عن هويته، فأخبره بأنه من إدارة البحث الجنائي، فلم يكتف، وأعاد سؤاله عن هويته مرة أخرى. و هنا أخرج الشرطي هويته الشرطية. أمعن فيها النظر متفحصا، ثم أعادها إليه، وعلى الفور أخرج من جزداله هويتة الشخصية وقدمها له. وما أن أمسك بها حتى سارع الشرطي المتخفي باستخدام هاتفه المحمول متصلا بآخر يملي عليه بيانات الهوية مكملا استعلامه عن صحة البيانات، وهو استعلام جنائي كما أخبره الشرطي.
وهذا الاستعلام هو حالة جديدة من البحث يستخدمها رجال البحث الجنائي حاليا في شوارع المحروسة مستعينين في ذلك بالعديد من الكاميرات التي تمت زراعتها في الشوارع لمتابعة حالة الأمن العام، وهو أمر جديد على صاحب الهوية، يُظهر إن كان متابعا من قبل في حالات استيقاف الأفراد من عوام الناس بمعرفة رجال الشرطة، بعدها قد يتم اصطحاب الموقوف إلى قسم الشرطة تحت مسمى الاشتباه به. وهناك يتم البحث المعمّق عنه جنائيا، و إن كانت دعوات والديه الطيبة تصاحبه، فخروجه سيكون آمنا ويسلم من أي سوء، وتمام كرامته نصيبه الطيب لن ينتقص منها شيء.
أما وإن كان غير ذلك ووالداه غيرا راضيين عنه، فليعلم أن عودته للحياة الطبيعية بات غير معلوم موعدها.
أنهى الشرطي المتخفي مهاتفة الآخر لكنه لم يقم بإعادة الهوية لصاحبها، وأخبره أن ضابط البحث أكد له أنه قادم إليه لقربه من موقعه، وأنه سيجري البحث عند حضوره.
بقي صاحب الهوية محتفظا بابتسامته التي بدت وكأنها جزء لا يتجزأ من تقاسيم و ملامح وجهه و يزيدها وضوحا شاربه الكثيف، والذي يميزه طيلة حياته، حتى لقبه العديد ممن شاهدوه بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
مر من الوقت ما يقارب النصف ساعة ولم يحضر الضابط القائم بعملية البحث. أشعل صاحب الهوية سيجارة وكعادته الكريمة قدم للشرطي المترجل ومرافقه قائد الدراجة النارية من سجائره، ولكنهما أعرضا، فأحدهما لا يدخن والآخر أنهكه الحر الشديد و أتعبته كثرة التدخين.
سمع من بعيد صوت سارينة عربة الشرطة ، فتهلل وجه الشرطي و هو يخبره بأن الضابط هو القادم في إحدى عربات الشرطة الحديثة والمجهزة خصيصا لنقل المحتجزين، والمطلوبين جنائيا. دبيب من قلق راح يدبّ داخل صدر صاحب الهوية، وتساؤلات عديدة أخذت تطرح نفسها بقوة على عقله وفكره خاصة وأن هناك العديد من العابرين ذهابا وإيابا وجوههم وملابسهم تمنح الشرطي حق توقيفهم للكشف عن هوياتهم كما فعل معه، ولكنه لم يستوقف أيا منهم وتركهم جميعا يكملون مسارهم، وهو الوحيد الذي استوقفه، وكأنه لايريد سواه.
حالة القلق والتوتر داخلية، لم يفصح عنها صاحب الهوية، لكنه راح ينفث دخان سجارته، وكأنه يحاول إخراج توتره زفيرا ولم يستطع، فأخذ يفتش بين رفوف ذاكرته عن الأشخاص المحتمل اللجوء إليهم ولهم نفوذهم الوظيفي أو المهني هم أو ذووهم للحاق به حال اصطحابهم له بتلك السيارة التي لو صعد إليها مجبرا، فلن يستطيع الفكاك أبدا بدون مساعد وسيط مسموح له بتجاوز حدود القانون، خاصة وأنه قد هيأ نفسه أنه هو المطلوب إحضاره، وأن ما حدث له ليس بالمصادفة أو بالعشوائية من الشرطي، فهو مهندم الملابس، وحذاؤه لامع نظيف، وشعر رأسه رغم الصلع الخفيف مصفف، وخطواته متزنة أثناء سيره، وكلها مظاهر لاتشجع أبدا رجال الشرطة على استيقافه بحجة الاشتباه.
لقد عقد صاحب الهوية عزمه على رحلة الغياب المحتملة له عندما تذكر كل ما قام بنشره مسبقا على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك معارضا لنظام الحكم.
نعم لقد قام بنشر العديد من البوستات المعبرة عن سخطه واستيائه من القيادة العليا لدولته، وتخاذلها في إطعام الجوعى من عامة الشعب، وفرض الضرائب الباهظة بمسميات عديدة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية والبترولية الجنوني والذي أصاب كل فئات المجتمع بالجوع والعوز إلا القليل منهم ممن يملكون الثروات، هذا بخلاف أشعاره المنتمية للطبقات السفلى والداعية إلى صلاح الحاكم أو التغيير، ورفض الفاشية وديكتاتورية الحكم، ورفض القهر وظلم الحكام. كل هذه الأمور الطغيانية التي باتت واضحة بكل أنظمة الحكم وخاصة العربية بعد اجتياح الربيع العربي و وأد الثورات العربية تباعا بمنهج متبع كله يؤدي لمصلحة العدو الصهيوني الإسرائيلي.
الوقت يمر، ولم تأت العربة بقائدها المنتظر.
اشعار الإيداع البنكي الخاصة بشركة صاحب الهوية قابض عليه بقوة بيده، وعيناه زائغتان تبحثان عن أي زميل له بالشركة ليعطيه له فيسلمه لإدارة التحصيل فلم يجد وكأن القدر متفق مع هذين الشرطيان للنيل منه.
دارت رأسه به وهو يفكر في زوجته الجالسة خلف مكتبها المجاور لمكتبه بالطابق الثامن بتلك البناية التي تظلل الأرض خلف قدميه، وكيف لها أن تعود إلى البيت بدونه؟؟، وكيف لها أن تستقل سيارات الأجرة برحلة عودتها للمنزل وهي لا تتحمل ترجرج سيارتهم العنيف نتيجة النُقر باسفلت الشوارع، وكيف سيكون مجيئها صباحا، و قد لا يعيرها السائقون أي اهتمام بأوجاع عمودها الفقري المعتل؟؟!
ثم كيف لأولاده الثلاثة أن يتحملوا غيابه المفاجىء عنهم لفترة ربما تطول لأشهر أو ربما تتجاوز سنوات، وقد لا تنتهي.
فأولاده عادة يلتمسون له عذر الغياب ليومين أو ثلاث على الأكثر حينما يخبرهم بمرافقة أصدقائه السفر لحضور الندوات الأدبية، أو لأخذ قسط من الراحة من أوجاع الحياة وتفريغ طاقتهم السلبية بلقائهم المعتاد لبعضهم شهريا.
وإلى متى ستظل سيارته مرصوفة داخل الجراج المجاور للشركة التي يعمل بها، و زوجته لا تجيد القيادة، وابنه الذي يستطيع قيادتها لم يستخرج بعد رخصة القيادة الخاصة به وذلك لارتفاع القيمة الضريبية والمصاريف الإدارية المفروضة لاستخراجها.
-وهل ستتحمل زوجتي مصاريف أولادي اليومية بشكل منتظم وإن كانوا الآن يتمتعون بإجازة آخر العام الدراسية، كونهم يستخدمون مصاريفهم تلك في سداد الجمعية المشتركة بينهم وأصدقائهم ليتمكنوا من شراء ما يحلو لهم من الملابس الرياضية الخاصة بناديهم المفضل دون تحميلي عبء هذا الترف .
وسريعا تذكر والدته العجوز والتي تنتظر منه إحضار معاشها الشهري عن أبيه، خاصة وأنه الموكل بإحضاره من ماكينة الصراف الآلية أول كل شهر، لتستطيع شراء علاجها ومواجهة متطلبات الحياة و الغلاء حتى أصبح لا يكفيها هذا المعاش.
أشياء كثيرة وأمور أكثر كلها مثقلة وقد ألقاها على عاتقه القدر بعد وفاة أخيه الأكبر منذ قرابة العشرة أعوام وتزيد، كلها جعلته يرتبك فجأة وتتوتر أعصابه مما جعل أصابعه ترتعش وجسده يصاب بحمى الصقيع أمام ضابط البحث الذي وصل عندهم وظل جالسا بمقعده الأمامي بتلك السيارة ممسكا بهويته يتفحصها جيدا، وتارة يدقق النظر فيها وأخرى يدقق في تفاصيل وجه صاحب الهوية.
خطر على باله الفرار ولكنه تراجع لشيبته وحركته البطيئة نسبيا وخاصة أنهم جميعا في ريعان الشباب ويملكون تلك الدراجة النارية التي قطعت عليه طريقه. تراجع أكثر عندما أخرج الضابط جهاز البحث الجنائي ليطابق صورة المطلوب البحث عنه الوجه الواقف أمامه متبسما رغم حريقه الداخلي، والذي أطفأته كلمات المخبر الثالث الجالس بالمقعد الخلفي وهو يؤكد قرب الشبه بين الصورة وهذا المكبلة كل أوصاله بالخوف أمامهم.
ناول الضابط الهوية لصاحبها مفرجا عنه بعد سؤاله عن وظيفته وعمله بها وأضاف أنه شاعر ويحمل بطاقة عضويته باتحاد الكتاب.
تحسس الشاعر وجهه بيده بعد شعوره بصهد يتلبس كل جسده حينما أمسك بهويته،
حاول القفز لأعلى وكأنه البريء من ذنب ابن يعقوب فلم يستطع، حاول الهرولة ولم يقدر فمازالت أصابعه ترتعش وكل بدنه يرتجف أسفل ملابسه، وما ان تأكد من ثبات أقدامه على الأرض، حتى راح يخطو بخطوات متزنة دون الالتفات خلفه حتى عبر باب المصعد وضغط على زر الدور الثامن، فدلف إلى زوجته الجالسه خلف مكتبها، قبل رأسها وربّت على كتفيها مبتسما وملء قلبه الأمان.
في ألبوم: صور يوميات Molqqqaa
القياس: 550 x 389
حجم الملف: 42.21 Kb
كن الشخص الأول المعجب بهذا.