Molqqqaa
في تموز 30, 2022
21 المشاهدات
حسن برني زعيم
تأملات في ."الحياة والموت والحضارة " -------- نحن نعيش في هذه الدنيا بأجلين ، أجل معلوم لدينا لكنه غير محتوم، لأنه مصنوع ، وأجل مجهول عندنا ومحتوم ومعلوم عند الله ، لأنه مطبوع.
والمقصود بالأجل المعلوم غير المحتوم العمر الذي نحياه راسمين الخطط والبرامج والأهداف من الدراسة والشغل والزواج والأبناء وبناء الدار ، وغير ذلك من المشاريع العائلية والاجتماعية والسياسية …وهذه كلها أشياء معلومة لدينا غير محتومة ، لأنه قد لا يتحقق أي شيء منها إذا تدخل الأجل المحتوم المعلوم عند الخالق والمجهول عند الإنسان …فلا دراسة بعد ذلك ولا زواج ولا دار … ولا شأن لنا – بعدئذ – بمستقبل الأبناء إلا ما نتركه من أثر التربية والنصح و الوصايا والعلم والمعرفة والأهل والمال.
والأجل المحتوم لا تكون نهايته بالضرورة وفاة أو مرضا، وإنما الله وحده يعلم طبيعتها ، وهو وحده من يقدمها أو يؤخرها ، فقد يفقد الإنسان سمعه أو بصره أو يصاب عضو من أعضائه أو يعطب ، فيلهيه ويصرفه عن إتمام ما خطط له ، وحينها يتحول – متقهقرا- إلى مجتهد من أجل الحفاظ على حالته الصحية – كما صارت – خوفا من أن تتدهور أحواله أكثر…
ومن المؤسف أننا لا نعرف كثيرا عن ذاك الأجل المطبوع المجهول – لدينا – والمعلوم عند الله ، والمحتوم لا محالة ، ولا نبحث فيه، في حين أننا نرتبط أشد الارتباط بالأجل المصنوع والمعروف ، وهو غير محتوم ، وذلك بتفكيرنا في أحوالنا والتخطيط لمستقبلنا والخوف عليه كما لو أن كل شيء بأيدينا ، فمنا من يقبل الذل والهوان أحيانا من أجل مصلحة الأبناء والسيارة والدار وجمع المال ، و منا من يعتدي على الضعيف و يقبل أن يهينه القوي ويذله ، وهناك من يسعى إلى السلطة والجاه ولو بالحروب والدمار واللامشروع من الأعمال، ومن المسؤولين من يقرر في مصائر الناس دون خوف من حسيب أو رقيب أملا في بلوغ أهداف ذنيئة خطط لها حزبه أو عائلته يحسب نفسه حلقة رئيسية من حلقات مشروع سياسي أو اجتماعي أو فكري ظانا أن تحقيقه حتمي ، ولا وجود للأجل المحتوم في تصوره وبرامجه ومساعيه.
ويبدو صوابا أن نحافظ على نسبية التزامن بين الأجلين ، بل يجب ترجيح الأجل المحتوم في حياتنا، لأنه قد ينهي مهمتنا في الحياة في لمح البصر، إن بالمرض أو الوفاة أو الابتلاءات ، ومن هنا وجب علينا استحضار مشيئة الله في ما نفعله من قول أو وعد أو عمل أو تفكير ، وذلك بصيغة ” إن شاء الله ” التي تعني تعليق أي أمر نريد فعله في المستقبل على مشيئة الله ، لقوله تعالى في سورة الكهف الآية 23 ” ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله”.
هذا اليقين بالأجلين يجعلنا أقوياء نسير بسرعتين ، سرعة نعرفها وقد نتحكم فيها إلى حد ما ، لكن قياس حقيقتها وبلوغ الأهداف من ورائها رهينان بسرعة أخرى لا قدرة للإنسان على التحكم فيها، وسرعتنا هذه أشبه بسرعة الراكب في قطار سريع لا تفيده في شيء مادامت غير حقيقية ، ولأنها غير مستقلة بذاتها…ولا بد لقياسها من أخذ السرعة الخارجية كمعطى أساس لبناء المعادلة. وهذه الحال أشبه “بنسبية التزامن” أو “نسبية الاقتران الزمني” في الفيزياء.
لكن ، يجب ألا نفهم من هذه المعادلة الاتكال واليأس والاستكانة والخمول فنعيش مكتوفي الأيدي ، بل على العكس من ذلك ، فالأجل المحتوم يزيدنا قوة في قوة قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).وقد اتفق علماء الدين على العمل بالأسباب (وهي هنا أعمال في إطار الأجل المعلوم) كأنها كل شيء، ودعوا في الوقت نفسه إلى التوكل على الله في كل شيء وكأن هذه الأسباب “لا شيء”…معادلة يصعب إدراكها ، لكن، هي كذلك، وعلى المؤمنين أن يجتهدوا لفهمها، و يجعلوها مرجعا أساسا للحياة.
فالحياة بهذا المفهوم أشبه بمعادلة – في مجموعة الدنيا – بمجهولين أحدهما رهين بالثاني.وتشبثنا بها/ أي الحياة معناه الشروع في بحث هذه المعادلة. وليس لنا إلا افتراض أحد طرفيها معروفا- وهو الأجل المعلوم غير المحتوم ، فنشرع نخطط ونبحث ونعمل ونقاوم ونسافر ونبحث عن الشفاء إن مرضنا…ونصارع الظالمين لانتزاع حقوقنا بتقديم التضحيات من أجلها ، لكن كل هذه الحلول ستبقى مؤقتة وغير نهائية…
وعلى الرغم من المجهودات التي نبذلها معتقدين أننا أقرب إلى الحل ، يبقى الحل النهائي معلقا إلى أن يعرف طرف المعادلة الثاني، وذلك بحلول الأجل المحتوم – وهو ينتمي إلى مجموعة أخرى – والذي – للأسف- لا ينفع مع حلوله الاستمرار في بحث المعادلة في إطار مجموعة الدنيا ، لأن الإنسان يصبح خارج هذه المجموعة… وسيكون قد فقد، وإلى الأبد، كل فرصة تمكنه من متابعة البحث فيها ، و ضيع، بالتالي، كل شيء يساعده على العودة إليها ، إلا إن أتى الله بقلب سليم…والله أعلم .
هذا عن الإنسان والموت والحياة ، فماذا عن فعله في الكون وما يتركه ؟ وما الغاية من وجوده في الدنيا؟
لا شك أن الإنسان هو الكائن المكلف بخلافة الله في أرضه ،وهو باني الحضارة ، فهل للحضارة آجال مثل الإنسان؟ وهل تموت الحضارة بموت صانعيها كما تموت البيوت إذا رحل سكانها؟
بالرجوع إلى التاريخ ، وبالبحث في المراحل التي تمر بها الشعوب والأمم كي تبني حضارتها وتخلد ما تذكر به عبر الحقب التاريخية ، نجد أن ابن خلدون كاد ينفرد بالرأي القائل : ” العمران له معنى معرفي عميق ، وذلك حينما يصبح مرتبطا بالغاية من خلق الإنسان ، وتصبح خلافة الإنسان في الأرض مسؤولية كل فرد على تحقيقها في ذاته أولا ، بحيث تكون من هذا الوجه مسؤولية فردية ، ثم عليه تحقيقها اجتماعيا داخل العمران الإنساني كمسؤولية جماعية…كما يرى أن الإنسان هو صاحب مصيره، وهو المسؤول عنه ، على عكس الحيوانات الأخرى”.
لكن الجانب المحير في هذا الرأي أن الناس يموتون وآخرون يولدون ، وأن انهيار الحضارة لا يعني إبادة الناس من فوق الأرض، كما أن استمرار وجودهم لا يضمن بناء الحضارة ، فما المشكلة إذا؟
وأما لماذا يفنى العمران فقد ربطه ابن خلدون بالأخلاق في قوله:”الظلم مؤذن بخراب العمران … و العدل أساس العمران البشري”.
لعل ما يقربنا إلى الصواب هو بحث انتقال المعرفة بين الأفراد والجماعات داخل الأمة الواحدة ، ثم
انتقالها بين الأمم، وهذا يضعنا أمام سؤال آخر أشد غموضا ، وهو: كيف ترث الأجيال اللاحقة ما تتركه الأجيال السابقة ، وهل هناك قاعدة ما لهذا الانتقال؟
وهذا يضعنا أمام “سؤال” الثقافة والتراكم والاتصال بين الأفراد والمجتمعات والشعوب ، والذي لا يستطيع الكائن البشري أن يعيش بدونه.
وخلاصة الحديث أن الإنسان رغم ” الصراع ” الذي يعيشه متأرجحا بين أجلين ، فإنه استطاع أن يبني الحضارة ويشيد المدنية عبر العصور ، غير أن الصراع الأزلي الأبدي بين الخير والشر هو ما يحول دون تحقيق العدل بين الناس ، رغم ما تركه الرسل والأنبياء والحكماء والفلاسفة والمفكرون من نظريات و وصايا ودعوات إلى المساواة والعيش الكريم.
حسن برني زعيم.
في ألبوم: صور يوميات Molqqqaa
القياس: 550 x 389
حجم الملف: 42.21 Kb
كن الشخص الأول المعجب بهذا.