قال تعالى :
(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التّ... عرض المزيدقال تعالى :
(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
يشير القرآن الى هذه النقلة الايمانية في حياة المؤمنين من محور الانا الى محور الله في أروع صورة وتمثيل .
والاية تعبر عن تجرد الانسان من ذاته وعلاقاته بالله تعالى باستخدام تعبير لبيع والشراء وهو تعبير ينطبق على الموضوع الذي نحن بصدده بشكل دقيق
وكل بيع يتطلب خمسة امور:
المشتري, والبائع , والثمن ,والمثمن , ووثيقة البيع ,
والمشتري هنا هو الله ,والبائع الانسان ,والثمن الجنة ,والمثمن النفس ومتعلقاتها وعلاقاتها ولذاتها وغرازئها وميولها ,ووثيقة البيع التوارة والانجيل والقرآن .
ويستوقفنا هنا هذا التعبير الرائع: (أن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم واموالهم..)إن المؤمنين يبعيون أنفسهم وأموالهم لله والله يشتري منهم أنفسهم واموالهم - وليس للبائع بعد ان يتخلى عن نفسه وعن الانفس العزيزة عليه وعن ماله لله ويقبض الثمن - أن يتراجع أو يتردد في تسليم البضاعة ,أو يتحفظ في التسليم ,او يستقطع منها شيئا ,أو تحن نفسه الى شئ منها, فقد باع وقبض الثمن ولاخيار لارجوع ولاعودة ولااستقطاع ...
وليس للمؤمن أن يتلكأ فإن عملية التخلي عن الانفس والاموال تتم طواعية باختيار الانسان ورغبته ,وقيمة هذه العملية انها تتم باختيار الانسان ورغبته .
وعملية البيع هنا تعبر عن كل المسيرة والرحلة وتطوي كل المسافة الفاصلة بين المحورين : ( محور الانا والمحور الالهي ) فيتخلى المؤمن عن نفسه ومشتهياتها وعلاقاتها ولذاتها في هذه الدنيا لله تعالى بصورة كاملة ، وينتزع نفسه عن هذا المحور انتزاعا كاملا ، لينقلها الى المحور الاخر وليضعها تحت سلطان الله وامره ونهيه ...
ومن العجب في هذا الشراء ان الشاري سبحانه وتعالى له ملك السماوات والارض ،وله أن يتصرف في كل ذلك من غير بيع أو شراء ولا استئذان ،والعبد وما في يده لمولاه ،ولكنه عزوجل شاء أن يكرّم الانسان ويرفعه الى موقع التعاقد والمبايعة ،وذلك تكريما من لدن الله لعباده بما يناسب لطفه وكرمه بهم، فهو سبحانه خلق الانسان وخلق له ما شاء من الطيبات وتلك كرامة ،ثم ملّكه ذلك وتلك كرامة أخرى ، ثم اشترى منه ما وهبه وما ملّكه وتلك كرامة ثالثة أن يرفعه الى موضع التعاقد والتبايع معه ،ثم جعل ثمن ما يأخذه منه من المتاع الفاني الجنة والخلود في جنته ورضوانه وتلك كرامة رابعة...
الشيخ محمد مهدي الآصفي
في رحاب القرآن