-----------------------------
قال تعالى :
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ... فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ .... عرض المزيد-----------------------------
قال تعالى :
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ... فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ .
من يسترجع لي ديني ؟
عباس الاعرجي ...
يوم امس جئت مسرعا ، لِألحق بصلاة الجماعة ، حرصا مني ومن فوات فضيلة أدائها في أول الوقت .
وبينما كنت أحث الخطى بخطوات متباعدة ، إعترضت طريقي فتاة أثوابها رثة ممزقة بالية ، والفقر أشقاها وقد بانت معالمه على جسدها .
إرتسمت على مُحَيّاها ، إبتسامة الخوف والخجل .
شكت لي عن حالها ، وعن حال من يسكن دارها .
رمقتني بنظراتها ذات اليمين وذات الشمال ، كانت مضطربة قلقة ، من ذلك الشاب الواقف على بعد بضعة امتار منها ، والذي كان يلوح لها بالمال .
حقاً لم تشغل بالي حركات الشاب المشبوهه ، ولا توسلات هذه الفتاة اليتيمة .
بل ولا حتى دَعِيَّتي لها بعنف ، ولا لتقبيلها أقدامي .
كان كل ما يشغلني ويثير إهتمامي هو اللحاق بامام المسجد قبل ان ينطق بتكبيرة الاحرام .
وبعد أن أكملت صلاتي ونوافلها على أتم وجه ، خرجت من باحة المسجد ، لأتقصى أثر هذه الفتاة ، وإذا بي ، أرى قصاصة ورق .
قد كُتب عليها ...
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ .. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ .. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ .. فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ .. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ .. الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ .. وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } .
ثم علقت يتيمتي هذه ، من بعد إيرادها لهذه الآية .
وداعاً يا سيدي يا أيها الناسك ، لقد بعتُ بصلاتك هذه ، شرفي لهذا الشاب ، فتقبل الله الطاعات .
وأُوصيك وأوصي نفسي وكل المصلين ورواد المساجد ، بالتدبر في سورة اليتيم ، في سورة ...
الماعون
----------------------------
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) .
الاستفهام : تعجبي . والرؤية : بمعنى العلم والمعرفة. والمراد بالدِّين : يوم البعث والقيامة والحساب .
إنها تبدأ بهذا الاستفهام التعجبي ، الذي يوجه لكل من تتأتى منه الرؤية ليرى : أرأيت الذي يكذب بالدين . وينتظر من يسمع هذا الاستفهام ليرى إلى أين تتجه الإشارة وإلى من تتجه ؟ ومن هو هذا الذي يكذب بالدين ، والذي يقرر القرآن أنه يكذب بالدين ..
وإذا الجواب : فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم . ولا يحض على طعام المسكين !
إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا بعنف ويهينه ويؤذيه . والذي لا يحض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته . فلو صدّق بالدين حقا ، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم ، وما كان ليقعد عن الحض على طعام المسكين . فويل للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون .
إنه دعاء أو وعيد بالهلاك للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون .
فمن هم هؤلاء الذين هم عن صلاتهم ساهون ! إنهم ( الذين يراءون ويمنعون الماعون ) .. إنهم أولئك الذين يصلون ، ولكنهم لا يقيمون الصلاة . الذين يؤدون حركات الصلاة ، وينطقون بأدعيتها ، ولكن قلوبهم لا تعيش معها ، ولا تعيش بها ، وأرواحهم لا تستحضر حقيقة الصلاة وحقيقة ما فيها من قراءات ودعوات وتسبيحات .
إنهم يصلون رياء للناس لا إخلاصا لله . ومن ثم هم ساهون عن صلاتهم وهم يؤدونها . ساهون عنها لم يقيموها . والمطلوب هو إقامة الصلاة لا مجرد أدائها .
وإقامتها لا تكون إلا باستحضار حقيقتها والقيام لله وحده بها .
ومن هنا لا تنشئ الصلاة في نفوس هؤلاء المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فهم يمنعون الماعون .. يمنعون الماعون عن عباد الله .
ولو كانوا يقيمون الصلاة حقا لله ما منعوا العون عن عباده ، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله .
إن هذه السورة الصغيرة ذات الآيات السبع القصيرة تعالج حقيقة ضخمة تكاد تبدل المفاهيم السائدة للإيمان والكفر تبديلا كاملا .
فهذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس ؛ ولا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر ، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد ، مؤدية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح ، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى .
إن حقيقة الإيمان حين تستقر في القلب تتحرك من فورها .. لكي تحقق ذاتها في عمل صالح . فإذا لم تتخذ هذه الحركة فهذا دليل على عدم وجودها أصلا .
وأخيراً أستميحكِ عذراً يا أيتها الصبية اليتيمة ، وأعدكِ أن لا أهضم قلب يتيم بعد الان .
فمن يسترجع لي ديني ...؟