==============
بوصلتنا أخطأت الأتجاه ...
عباس الاعرجي ...... عرض المزيد==============
بوصلتنا أخطأت الأتجاه ...
عباس الاعرجي ...
( الدين أفيون الشعوب ) ، الكل يعلم وانتم أساتذة البلاغة والدراية ، أن هذه المقولة لست انا مطلق حروفها ، وإنما هي من بنات افكار أحد فلاسفة الغرب ، وحتى هذا الفيلسوف كما اعتقد جازما لم يكن يريد الأبعاد الحقيقية لهذا الشعار ، وإنما اراد ان يعبر عن ما توصل إليه من خلال التجارب والملاحظات التي عاشها في حياته ، بأن الدين إما أن يكون دينا حقيقيا يمارس دوره في الحياة ، وإما فلا ، وقتئذ يكون مادة مخدرة ومسكرة للعقول البشرية .
ما أجبرني على طرح هذا الموضوع ، وإعادة ذكرياته مجددا ، وخصوصا في هذه الفترة الزمنية العصيبة التي نمر بها .
هو هذا الضياع والتيه الذي أصاب جسد الامة الشيعية في العراق ، وأخذ يفتت جمعها الى أشلاء مبعثرة .
ولذا وجب علينا أن نعيد حساباتنا ، ونحصي أخطائنا ، ونحاسب أنفسنا ، ونكون على بصيرة من أمرنا ، واعتقد أنه آن الاوان لان يصارح احدنا الاخر ، ويكشف له مافي جعبته من خفايا وارقام ، وان المجاملة ونظرية الثغر الباسم ما عادت مجدية ، بل على العكس من ذلك ، ادت الى تراكم الاخطاء والابتعاد عن دائرة الهداية والعطاء .
وبما انني احد افراد هذا المذهب واحد منتسبي هذه الحركات ، اقولها لكم وبملئ الفم لم أشعر ولا ليوم واحد ، اننا مارسنا سلوكيات الدين الحقيقي ، وما نحن فيه من تبني وإدعاء ، ماهو في الحقيقة إلا خداع ونفاق ودجل ، لعدم وجود منفذ ثالث للخلاص ، ومن أراد الدليل فليذهب الى النجف الاشرف معقل الدين والحوزات العلمية ، ويفتح باب اللجوء الى بلا الافرنج وليرى بأم عينيه .
وما قرءناه في الكتب الدينية - من ذم التفرد بالرأي، والمساواة ، وإنصاف المظلوم ، وجبر الخواطر ووو - هذه كلها كانت معلومات للاستهلاك الدرسي ، وللحصول على درجة ممتازة في الامتحان ليس إلا .
هذه هي الحقيقة يجب أن نتجرعها وإن كانت مرة المذاق ، ولا يذهبن بكم الظن أخواني بدعوى ، أن وجودنا على سطح الكرة الارضية ومنذ مئات السنين دليل على صحت وسلامة الإنتماء ، فعبدة البقر والملحدين ، لربما أكثر منا أسبقية في العيش ، وحتى لربما أكثر منا تطبيقاً لدين الله .
فانظروا الى ما وصل إليه حال المواطن الشيعي باعتباره اليد الضاربة والمناضلة والمجاهدة في كل الحروب التي خاضها العراق ، من خنوع وذل وبؤس وندم وضياع وخوف ، حتى بات احدنا يلوذ بضلال الجدران خوفا من الاعتداء والمسائلة .
، نعم والف ألف نعم ..
، العار والذل يلاحقنا ما دمنا أخطأنا الاتجاه الصحيح ، ولو أننا أستعملنا العقل والحكمة والبصيرة ، وأبتعدنا عن القذف وإساءة الظن فيما يطرح من افكار ورؤى لتقويم إعوجاج الطائفة الشيعية ، حتى وان كان لايتناغم مع رؤانا في بادئ الامر ، لما آل الأمر إلى هذه الدرجة من الانحطاط والانهيار .
اقولها لكم وبكل صراحة ، إن العقبة الكؤود التي تقف أمام تبني كل هذه الأفكار الحرة وتقدمها ، هي استخدام الدين المزيف بما يحمل من موروثات وعناويين مغلوطة كمطية يمتطى بها ، للحيلولة دون تقدم أصحاب هذه الأفكار الحرة .
وهذا ما يشير له الحال الذي تمر به الحركات الاسلامية وبكل مسمياتها في الوقت الحاضر والمشوب بالتراشق اليومي فيما بينها ، كل يتهم الاخر بأنه السبب في التأخر الذي حل بالوطن في كافة مرافق الحياة منذ القضاء على الحكم البعثي والى يومنا هذا .
فحين ندرس الوضع المتأزم الذي يمر به الوطن اليوم وبعد مرور أكثر من سبعة عشر عاما على سقوط دكتاتورية البعث ، ثم استلام أحزاب الإسلام السياسي بالعراق مسؤولية الحكم .
نرى أن حركاتنا الاسلامية أثبتت فشلها في ممارسة الحكم خلال الفترة الزمنية القصيرة ، رغم أنه كان أمامهم فرصة نادرة لاستلام الحكم وإدارة شؤون البلاد بنجاح .
ومن خلال هذا العامل وذاك ، يتضح بجلاء أن السبب الرئيسي لهذا الفشل ، هو تشتت مناهج الحاكمية والقيادة لدى الفكر الشيعي ، وتعدد مصادر الافتاء عندهم ، الامر الذي أدى الى تمزيق وحدتهم الى طرائق قددا ، وجعل سريان هذه الخرافة - ( خرافة تعدد الزعامات الدينية لدى الشيعة بحجة المباني الفقهية ) - لن يتوقف عند هذا الحد ، بل تعداه الى تفتيت وحدة أفراد الاسرة الواحدة .
وعليه يجب أن تعترف شيعة العراق ، بأنهم أخطأوا الاتجاه ويجب تصحيح المسار ، وما قاموا به من سلوكيات دينية لايمت إلى سلوكيات الدين الحنيف بأي صلة ، فأصبح من الواجب المحتم عليهم أن يختاروا ، أحد الأنظمة الثلاث الحاكمة في العالم ، النظام الرأسمالي او الشيوعي او نظام ولاية الفقيه .
وفي الختام أقول :
وبعد كل هذا الخراب الذي جُلب للبلاد والعباد نتيجة خطأ البوصلة ، والذي لا يمكننا الاستمرار به إلى ما لا نهاية ، لاخيار لنا البتة ، إلا أن نختار أحد الأنظمة هذه ، كما أسلفت او الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه والانسحاب إلى الجوامع والحسينيات لكسب الثواب .