عزيز شرحبيل
القفص
... عرض المزيدعزيز شرحبيل
القفص
بيني وبين عصفوري الكناري عشرة وانس، ولطالما آنس وحدتي صوته الجميل كما اؤنس وحدته عندما يتوقف عن الغناء لمدة توافق فترة تغيير ريشه، وهي عادة كل أبناء جلده. لذلك كان يكفيني ان أراه يتحرك داخل قفصه كما كنت الاحظ تزايد حركيته كلما رآني وكل هذا يعني ان هناك تيارا واصلا بيننا، وحبا مستتيرا يسيل له حبر كثير....
ومع انصرام الايام صرت افكر في ان امنحه من السعادة ما يبهج قلبه الصغير، تخيلت نفسي داخل قفص من ذهب، يساق الي ما لذ وطاب من طعام وشراب وانا على حالي لا أفعل غير ما يفعله كل من فقد حريته : الانتظار. وبما انني لا يمكن ان اقايض حريتي بكل امتيازات العالم، فإن الذهب وكل الأطباق الفاخرة لا تعني لي شيئا امام حريتي التي لا أقبل لها تحجيما او عليها مزايدة، فهي منة من رب العالمين خلقني حرا طليقا في بطن امي، وكتب لي رزقا دون منة من غيره، وارشدني سواء السبيل، وإن كان لاحد علي تفضل فلله خالقي وبارئي ومن بعده امي وابي...
وبما ان الحرية كائن مقدس فإن دساتير البشر جعلت لها أبوابا محكمة لا يطالها التشابه او التطاول وسخرت لها قوانين تنظمها وترعاها.
لأجل كل هذا قررت أن افتح باب القفص ليغادر طائري الجميل سجنه، فيحلق في سماء الحرية، وهكذا فعلت. وقد آلمني ان أراه يغادر إلى حيث لا يجمعني به مكان و زمان وراقبته يتوارى بسرعة الملهوف لتحقيق المغامرة والاستمتاع بمنة الخلاص، شأنه في ذلك شأن المسافر في الصحراء الذي يعثر على واحة بعدما يكون قد نفذ ماءه وأشرف على الهلاك.
دون أن استطيع كبح جماحها، غاردت دفعة من العبرات فناء جفن العين، وانسابت على الخدين في صمت طويل وكأنها كلمة وداع لصديق عجز اللسان ان يتمكن من لغة الطير...
جلست في شرود افكر في صواب ما اقدمت عليه فبدأت بشائر الرضى تصل إلى باحة قلبي، وتحول حزني إلى سعادة وانشراح. وبينما انا كذلك، فوجئت بعصفوري يقف على باب النافذة، فهرعت اليه وما ان فتحتها حتى قصد القفص، دخل اليه وشرع في التغريد.
لم أستطع إخفاء فرحتي بعودته لكنني سرعان ما احسست بتشوش أفكاري عندما تسائلت عن سبب هروبه من الحرية وهي ضالة كل مخلوقات الأرض. هل رأى ما دفعه إلى الخوف أم انه اصابته العدوى من بعض أبناء نوح الذين قايضوا حريتهم بفتات العيش....
بقلمي
عزيز شرحبيل