وسلك فيلسوف العرب الكندي طريقا آخر لإثبات حدوث العالم قال : كل جسم موجود بالفعل أو سيوجد فهو متناه ، ويستحيل أن يكون سرمديا وباقيا إلى الأبد . واستدل بالدليل المعروف عند الفلاسفة ببرهان التطبيق الذي ا... عرض المزيدوسلك فيلسوف العرب الكندي طريقا آخر لإثبات حدوث العالم قال : كل جسم موجود بالفعل أو سيوجد فهو متناه ، ويستحيل أن يكون سرمديا وباقيا إلى الأبد . واستدل بالدليل المعروف عند الفلاسفة ببرهان التطبيق الذي اعتمدوا عليه لبطلان التسلسل وعدم التناهي في الزمان الماضي ، فاتخذ الكندي منه دليلا على التناهي في المستقبل أيضا ، ويتلخص : في أننا لو فصلنا جزءا محدوداً من الجسم المفروض أنه لا نهاية له ، فالباقي من هذا الجسم إن كان متناهيا فهو المطلوب ، وان فرض أنه غير متناه ، وأرجعنا إلى الجسم الجزء الذي فصل منه يكون معنى ذلك أن الجسم بعد أن اقتطعنا جزءا منه كان غير متناه ، وانه بقي كذلك غير متناه أيضا بعد أن زدنا عليه ما أخذنا منه أولا ، ولكن هذا الجسم بعد الزيادة أكبر منه قبلها ، فاذا كان في كلا الحالين غير متناه تكون النتيجة الحتمية أن اللامتناهي
أكبر من اللامتناهي ، وأن الكل بمقدار الجزء ، وهو محال . إذن فلا بد أن يكون الجسم متناهياً في المستقبل ، ويكون أيضا متناهيا في الماضي وهو معنى الحدوث . وإذ أثبت أن العالم حادث ، وأنه وجد بقدرة الله المبدعة المطلقة فيكون بقاؤه متوقفا على إرادته أيضا ، إن شاء أبقى ، وان شاء أفنی . وقد يتساءل : كيف توجد اشياء من لا شيء ؟ ونجيب بالتساؤل : من أين جاء ذلك الشيء الذي هو مصدر الأشياء ؟ فإن وجد من شيء آخر أعدنا التساؤل إلى ما لا نهاية ، ولا حل أبدأ إلا أمر الله اذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون . فالارادة الالهية هي التي تبدع الكون ، وتوجده بعد أن لم يكن شيئا ، وهي التي تفنيه فيصبح لا شيء . والعلم الحديث لا يتصادم مع هذا بخاصة بعد أن أثبت أن المادة تتحول إلى طاقة ، والطاقة إلى مادة ، وأنه لا حلول نهائية ، ولا حقائق مطلقة في علم الطبيعة الذي تكون على يد كبار علماء النسبية في القرن
العشرين ، وهم الذين تتسع فلسفتهم ونظرتهم إلى هذا العام المادي للقول بالخلق والفناء ، كما تتسع للقول بنوع من المعرفة بهذا العالم غير المعرفة المأخوذة من العلم الطبيعي وبالتالي ، فنحن نتحدى الفلاسفة والعلماء في هذا القرن وفي كل فرن أن يحلوا معضلة الكون حلا سليما دون أن يرجعوا إلى قدرة الله و ارادته ، فإن فعلوا ، ولن يفعلوا ، فنحن أول من يسلم ويستسلم . وبالتالي ، فان كل ما نحسه ونشاهده من أنفسنا ومن عوارض الكون فهو حادث ومتجدد ، فمن الكبر إلى الصغر ، ومن الشروق الى الغروب ، ومن الجذب إلى الإقبال ، ومن الصحو إلى غيره ، وهكذا .. حتى الحجر الأصم في تغير دائم ، كما تقتضيه النظرية الحديثة . وتغير هذه الأشياء معناه حدوثها وتجددها . واذا كانت حادثة فالنتيجة المنطقية أن الكون الذي يتالف منها حادث أيضا ، لأن وجود الكلي عين وجود أفراده ، وليس له وجود مستقل عنها.
#معالم_الفلسفة_الاسلامية#محمد_جواد_مغنية