yakdhom
بواسطة في ايار 8, 2020
102 المشاهدات

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته"(1).

* رسوم ليست للترفيه!

يسود انطباع حول أفلام الرسوم المتحرّكة بأنّها مجرّد وسيلة للترفيه البريء الموجَّه للأطفال. وبالتالي، هي لا تحتاج إلى رقابة أُسريّة وعامّة. وما ذلك إلّا انعكاس لصورة نمطيّة راسخة في أذهان الأهل عن هذه الأفلام منذ طفولتهم، بأنّ الرسوم المتحرّكة تحكي قصصاً ممتعة ومسلّية جاذبة لاهتمام أطفالهم، وتجنّبهم، في الوقت عينه، العروض الفنيّة الحافلة بمشاهد لا تتناسب مع أعمارهم.

ولكن، يبدو أنّه صار لزاماً على الأهل إعادة النظر في قناعاتهم تلك، فالأفلام الكرتونيّة التي تبثّها محطّات فضائيّة خاصّة على مدار الساعة، لم تعد بمجملها تحاكي البراءة المفترضة لدى الأطفال؛ إذ تشير الخلاصات البحثيّة حول هذا النوع من المنتجات الفنيّة، إلى أنّها باتت في صلب الغزو الثقافيّ، منها ما أشار إليه الباحث "إدوارد سعيد" من أنّ تطبيق علم النفس وآليّة عمل المؤسّسات السياسيّة الغربيّة على المواقف الآسيويّة أو العربيّة، ينتمي إلى عالم "والت ديزني"(2).

* توم وجيري إنتاج يهوديّ.. لماذا؟

وفي العودة إلى العام 1996م، تستوقفنا مقالة صدرت في أمريكا بمناسبة مرور خمسين سنة على تشكيل الثنائيّ الكرتونيّ الشهير، توم وجيري، وهما شخصيّتان أنتجتهما شركة (تيرنر) اليهوديّة. يقول كاتب المقالة اليهوديّ: لقد صَنَعْنا توم وجيري؛ لأنّنا كنّا نريد أن نُكرّس حقّ اليهود في فلسطين. أرادوا أن يُقدِّموا الفأر بصورة أفضل: ماكر، ذكيّ، شيطان، عفريت، يصنع المقالِب بصاحب الأرض، الذي هو القطّ، حتّى أصبح أصحاب البيت يطردون القطّ!!

* أداة تعميم للثقافة الغربيّة

في السابق، كانت الرسوم المتحرّكة تعرض قيم الخير، التفاؤل، والصبر، بينما يُشار اليوم إلى أنّ فيها الكثير من قِيَم إلغاء الآخر، الحريّة المطلقة، العنف، واعتماد الطرق الخاطئة في الوصول إلى الأهداف، من قبيل الغشّ، السخرية، الكذب، المكائد وغيرها. مضافاً إلى تقديم صورة مشوَّهة عن الله والدين، والإكثار من الترويج للسحر والشعوذة بوصفهما من أنجح الطرق لبلوغ الغايات.

إنّ الرسوم المتحرّكة بكل وضوح وصراحة، باتت الأداة الأقدر على تعميم الثقافة الغربيّة لدى أطفالنا، باعتبار أنّ السنوات الأولى من عمر الإنسان هي الحاسمة في تبلور شخصيّته.

وفيما تقتضي الموضوعيّة الإشارة إلى ما تُحدثه الرسوم المتحرّكة من توسعة لمدارك الأطفال ومعارفهم، وتنمية خيالهم، وتغذية قدراتهم، وتلبية حبّ الاستطلاع لديهم، إنّما لا يبيح ذلك التغاضي عن مضمونها حين يتعارض مع قيَمنا ومعتقداتنا.

* ثلاث شخصيّات أثّرت في أطفالنا

وفي دراسة ميدانيّة قام بها مركز الحرب الناعمة (شملت 1491 طفلاً) لقياس نوعيّة وحجم تأثيرات الرسوم المتحرّكة على أطفالنا، أظهرت الكثير من المعطيات الهامّة التي يجدر بالأهل والجهات المعنيّة الالتفات إليها والتوقّف أمامها(3)، نورد منها، على سبيل المثال لا الحصر، عرضاً لثلاث شخصيّات كرتونيّة هي المُفضَّلة لدى أطفالنا، مع الأخذ بعين الاعتبار ما لهذا التفضيل من أثر على شخصيّتهم:

1- سبونج بوب: هذه الشخصيّة التي نالت أعلى نسبة تأييد لدى أطفالنا (60.9%)، مع تقدّم للإناث على الذكور. وهو في حقيقة الأمر إسفنجة ذَكَر، غبيّ، يتصرّف بفوضويّة عالية، يكره الدراسة، ودائماً ما يحبّ مشاهدة الأفلام غير اللّائقة، بعد أن يستغلّ خلوّ المنزل من الجميع. وسبونج الذكر هذا، يقع في حبّ صديقه في المسلسل ويتزوّج منه!

وقد توصّلت الباحثتان "أنجلين ليلارد وجينيفر بيترسون" من قسم علم النفس بجامعة فيرجينيا إلى أنّ مشاهدة شخصيّات "سبونج بوب" تؤثّر سلباً على طاقة أدمغة أطفال الروضات والحاضنات، وتُضعف عمليّة التفكير لديهم، وتنحدر بذكائهم إلى مستويات متدنّية(4).

2- ساندريلا: نالت بطلة الفيلم(5) أعلى نسبة تأييد من الفتيات (39.3%). ويتمحور الفيلم حول إيجاد سندريلا للأمير الغنيّ الذي ستتزوّج منه ليريحها من ظلم زوجة أبيها. فهي الفتاة التي تغادر منزل أهلها سرّاً بمساعدة "السحر"؛ لتفتن الأمير وتتمتّع بالوقت المسلّي معه بالرقص الذي يمتدّ إلى منتصف الليل، وهي الفتاة الفقيرة التي تتعرَّض للظلم من زوجة أبيها وابنتيها اللواتي يُلقين عليها أعباء العمل بالمنزل وإعداد الطعام وتنفيذ كلّ ما يُردنه.

3- علاء الدين: (37.3%) هو أحد الأبطال العرب في أفلام ديزني، سارق كأبيه، يُبرِّر سرقة ما لا يستطيع شراءه. وهذا الشاب الوسيم القويّ، والفقير، الذي افتتن بأميرة القصر، وقرَّر الزواج منها، رفضه أبوها بسبب فقره، وبدلاً من أن يعتمد على نفسه لتطوير إمكانيّاته، اتّكل على المارد الجنّيّ الخارج من الفانوس ليحقّق أحلامه، ولطالما أنقذه الجنّيّ حتّى جعله أميراً ومكَّنه من أن يتزوّج الأميرة. وفي الفيلم ذاته، يهرب علاء الدين من الشرطة، وخلال بضع ثوان، وبطريقة جذّابة مثيرة، يدخل إلى كثير من البيوت من خلال النوافذ، ويصطدم بنساء عربيّات، وهنّ يجتهدن في تزيين أنفسهنّ، ويتسابقن لتقبيل هذا الهارب، ثمّ يقعن في الخيبة والإخفاق، ثمّ يتشاجر بعضهنّ مع بعض، لأنّ إحداهنّ لم تحظَ به.

والملاحظ أنّ أغنية فيلم علاء الدين التي فازت بجائزة أوسكار لأفضل أغنية، تقدّم العالم العربيّ للعالم الغربيّ بصورة مشوّهة، ففيها يقول: "جئت من مكان بعيد، يقع في أرض بعيدة، حيث تتجوَّل قوافل الجمال، ويقطعون أذنك، إذا لم يعجبهم وجهك، إنّه مكان همجيّ بربريّ، ولكن مهلاً إنّه الوطن"(6).

* رسالة عنف عنصريّ وحضاريّ

لقد اعتبرت صحيفة لوس أنجلس تايم، أنّ وصف الثقافة العربيّة بالبربريّة، إجحاف وإضرار بهذه الثقافة، حين تقدّم للمشاهدين أنّ العرب شعب فظّ وغليظ. وعلّقت "كريستيان بلو فيلت" من منظّمة (جامب) لمراقبة الأفلام السينمائيّة قائلة: إنّ هذا النوع من الكارتون، يخبّئ رسالة عنف عنصريّ وعرقيّ وحضاريّ بشع، وكذباً وتزويراً، بحيث يكون الطفل الناشئ هو الضحيّة الوحيدة بسبب الصورة التي تتكوَّن في وعيه(7).

يهمّنا في الخلاصة أن نبعث برسالة، مفادها، أنّ الرسوم المتحرّكة هي أكثر من أداة للمتعة والتسلية، بل صاحبة الدور الفاعل في تنميط الأطفال وفق ثقافة معيّنة، فمن خلالها، تتحقّق المتعة وتتأثّر الهوية في آن معاً. وهذا ما يستدعي التعامل معها بوصفها إحدى أهمّ الوسائل التي من شأن التغافل عن إخضاعها لرقابة واعية- الأهل والمؤسّسات- دفع الأجيال المستقبليّة نحو المزيد من الاضطراب العقائديّ والمجتمعيّ والنفسيّ.

1- نهج البلاغة، الخطبة 31، من وصيته لابنه الحسن عليه السلام.

2- إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، تر: كمال أبو ديب، ط6، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربية، 2003م، ص90.

3- لمن يريد التوسع في معطيات الدراسة يمكنه مراجعة مركز الحرب الناعمة للدراسات.

4- انظر: صحيفة عكاظ، "سبونج بوب" طريق الصغار نحو الغباء، عقاب الشيباني، 2013م.

5- هو فيلم رسوم المتحركة الأمريكية التي تنتجها والت ديزني، استناداً إلى خرافة "سندريللون" من قبل تشارلز بيرو، يعتبر الثاني عشر في سلسلة الرسوم المتحركة والت ديزني الكلاسيكية.

6- إيمان بلوط، سوسيولوجيا أفلام الكارتون وتطبيع الطفل العربي، علاء الدين، ص83.

7- انظر: خضر سلامة، العربي كما يرسمه الكارتون، جريدة الأخبار، بيروت، 

أعجبني (2)
جارٍ التحميل...
2