المدونات
بقلم : عبدالباري عطوانعندما هاتفت الزميل والصديق، كمال خلف مقدم البرامج في قناة “الميادين” لأسأله عن الأوضاع في لبنان هذه الأيام، التي تسجل مرور عام على تفجير مرفأ بيروت الذي دمر نصف العاصمة، وادى الى استشهاد 200 انسان واصابة سبة آلاف آخرين اصابات بعضهم كانت خطيرة، اجابني بالحرف الواحد: الحياة لا تطاق، لا كهرباء، ولا ماء، ولا تكييف، ولا مراوح، ولا ادوية ولا بنزين للسيارات، ولا مازوت لتشغيل افران المخابز، وتأتي حرارة الصيف المرتفعة وتقترب من الأربعين مئوية، لتحول منازلنا وشققنا الى افران، لا نعرف النوم ولا الصحيان، انه الجحيم في أسوأ معانيه.نسوق هذه المقدمة، التي توثق معاناة شاهد عيان واسرته نيابة عن معظم اللبنانيين، لإجراء قراءة في التصريحات الخطيرة التي ادلى بها السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله صباح اليوم اثناء لقائه مع خطباء المنبر الحسيني، ليس لانها جاءت مباشرة وعفوية، وصادرة من القلب دون اي رتوش او اعداد مسبق وانما لأنها تعكس بشكل دقيق تحديا غير مسبوق، واستعدادا لكل ما يمكن ان يترتب عليها، وما بعدها، من ردود أفعال داخلية او خارجية.***يمكن اختصار هذه “الهبّة” المتحدية التي تنتصر لكل اللبنانيين دون استثناء، وتريد اخراجهم من معاناتهم في عدة نقاط، نقرأ ما بين سطورها:الاولى: تأكيد السيد نصر الله ان دماء أنصاره لن تذهب هدرا، وعلى اللذين يسعون للنزال ان يعوا هذه الحقيقة جيدا، وقد اعذر من انذر.الثانية: هناك جهات تسعى لجلب السلاح الى لبنان (لم يسمها) لإشعال فتيل الحرب ضد “حزب الله” وجره الى حرب أهلية، ولا يمكن ان يكشف هذا السر دون وجود معلومات دقيقة، ومن المؤكد ان هذا السلاح ليس لإطلاق رصاصه في الافراح.الثالثة: ارهاصات هذا المخطط، حسب قوله، بدأت بإحتجاز السيد سعد الحريري في الرياض واجباره على تقديم استقالته تلفزيونيا لخلق ازمة سياسية، وتفجير الاحتقان الداخلي حربا أهلية مدمرة.الرابعة: وجود وفد من حزب الله في طهران الآن لاستكمال موضوع البنزين والمازوت الذي سيصل قريبا جدا الى لبنان سواء برا او بحرا، ويمكن ان يكون وصوله عنصر تفجير.الخامسة: قوله في لهجة غاضبة، سنجلب الدواء من ايران و”ليبلطوا البحر” استيراد الادوية الإيرانية بدأ بالفعل و”اللي بيقول عنه سم فما ياخد منو”، فهذا انتقال من التهديد والوعود الى التنفيذ العملي ووضع كل الاعتبارات الداخلية جانبا.اقوال السيد نصر الله القوية هذه تؤكد ان كيله طفح، وقرر التخلي عن جميع حساباته وتحفظاته السابقة المتعلقة بالتوازنات اللبنانية الداخلية، لان سكين المعاناة وصلت الى عظم رقبة المواطن اللبناني، ووصل الصبر الاستراتيجي الى نهايته، ولم تعد سياسة الحكمة والتعقل تفيد، واذا كانت أمريكا وإسرائيل وعملاؤهما في الداخل يريدون الحرب، فأهلأ وسهلا، وعليهم تحمل النتائج كاملة، او هكذا فهمناها.الشعب اللبناني بات في عمق دائرة الموت جوعا، والهدف النهائي هو رأس “حزب الله” وصواريخه التي باتت تشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يبق امام السيد نصر الله من خيارات غير اللجوء الى الحليف الإيراني لجلب الدواء والمحروقات فاذا كان البعض من حلفاء إسرائيل وامريكا يعتبرون هذا الدواء “سما”، وهذه المحروقات الإيرانية “نجسة” و”غيرها حلال” فلماذا لم يأتوا بالحلال منها من أمريكا وفرنسا والسعودية ودول الخليج الأخرى؟ما لا يعرفه المتآمرون على لبنان والمنطقة بأسرها ان الزمن تغير، وان ايران بات يحكمها الآن رئيس “ثوري” منتخب، اسمه إبراهيم رئيسي، يقف خلفه المرشد الأعلى وكل مؤسسات الدولة الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، بدأ يفرض معادلة جديدة على دولة الاحتلال الإسرائيلي تقول “تضربوننا في سورية سنضرب سفنكم في بحر العرب والمحيط الهندي، اما مقولة الرد في الزمان والمكان المناسبين سقطت الى غير رجعة”.***الصواريخ الثلاثة التي انطلقت من جنوب لبنان اليوم وضربت مستوطنة كريات شمونة في الجليل المحتل، قد تكون اول الغيث، ورسالة تحذير التي تنبئ بالعاصفة القادمة، فحزب الله ينتقل الآن من استراتيجية الردع الدفاعية الى استراتيجية الهجوم، ومعه كل اذرع محور المقاومة.افعلها يا سيد نصر الله، وتذكر دائما ان رأسك، ومقاومتك، ورجالك، هو المطلوب، ولن يرضوا عنك مهما ابديت من مرونة، وضبطا للنفس، وكظما للغيظ، القيادات التاريخية لا تستلم لأقدارها، بل تواجهها وتغيرها بشجاعة، ولا يفل الحديد الا الحديد، وانت اهل لها.. وستجد كل الشرفاء معك وما اكثرهم.. والأيام بيننا.
نشر في: المجتمع
المواضيع:
حزب الله لبنان ازمة الوقود