تأمّلات في كلمة سيّد الأوصياء:
(قد أعطانا - الله - أكبرَ وأعظمَ مِمَّا يخطرَ على قلبِ أحدكم)!
:
هُناك حديثٌ طويل مُفصّل لسيّد الأوصياء يُسمّى بحَديث "المعرفة بالنورانية".. سيّد الأوصياء "صلواتُ اللهِ... عرض المزيدتأمّلات في كلمة سيّد الأوصياء:
(قد أعطانا - الله - أكبرَ وأعظمَ مِمَّا يخطرَ على قلبِ أحدكم)!
:
هُناك حديثٌ طويل مُفصّل لسيّد الأوصياء يُسمّى بحَديث "المعرفة بالنورانية".. سيّد الأوصياء "صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهِ" يُبيّن في هذا الحديث الخُطوط والاتّجاهات التي يتحرّكُ فيها المُؤمن لِمَعرفة أمير المؤمنين.. لِمعرفةِ المُصطفى وآل المُصطفى.. وبعبارةٍ أوضح وأدق: لِمَعرفةِ إمام زماننا.
فإنّ مَعرفةَ أمير المُؤمنين ومَعرفةُ مُحمّدٍ وآل مُحمّد هي هي بعينها مَعرفةُ إمام زماننا.. فالحديثُ عن واحدٍ مِنهم كالحديث عنهم بأجمعهم.. وما كان لأوّلهم فهو لآخرهم وما كان لآخرهم فهو لأوّلهم.
؛
✸ يقول سيّد_الأوصياء في هذا المقطع مِن حديث المعرفة بالنورانيّة:
(لا تجعلونا أرباباً وقُولوا في فضْلنا ما شِئتم فإنَّكم لا تبلغون كُنْهَ ما فينا ولا نهايتَه، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعطانا أكبرَ وأعظمَ مِمَّا يصِفُهُ واصفُكم أو يخطرَ على قلبِ أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المُؤمنون)
[بحار الأنوار: ج26]
〰〰〰〰〰
👆🏻
هذا المَقطع مِن حديث "المعرفة بالنورانيّة" هو أهمّ مَقطع في الحديث يُشيرُ فيه الإمام "صلواتُ الله وسلامهُ عليه" إلى علوّ منزلة أهل البيتِ ورفيع شأنهم ومقاماتهم الغَيبيّة.. فالإمام يُبيّن بأنّ مَنزلتهم "صلواتُ الله عليهم" لا تخطرُ على قَلْب بشر..!
صحيح أنّ الإمام في نفس هذا الحديث ذكر عبارات أخرى كثيرة تدلّ على علوّ شأنهم كقولهِ:
(أنا آدمُ الأوّل، وأنا نوح، أنا الخِضر عالم موسى.. أنا أنا.. وأنا الذي أجريتُ أنهارها وَفجَّرتُ عُيونها وغَرستُ أشجارها بإذن ربّي)
ولكن كُلّ هذهِ العِبارات على عظمتها، فهي لا قيمةَ لها مع هذا المقطع الذي يقول فيه: (قد أعطانا أكبرَ وأعظمَ مِمَّا يصِفُهُ واصفُكم أو يخطرَ على قلبِ أحدكم)!
لأنّ تلك العبارات: (أنا الذي أجريتُ أنهارها، وفجَّرتُ عيونها، وغرستُ أشجارها، أنا آدم الأوّل، أنا أنا...)
هذهِ العبارات تَخطرُ على قَلْب الإنسان، وإنّما الإمام ذَكَرها على سَبيل الأمثلة لتقريب المعنى.
والإمام في نفس هذا الحديث يقول بأنَّ مَنزلتهُم لا تَخطرُ على قلب بشر..!
وهي عبارة جديرة بالتفكّر والتأملّ.. خُصوصاً تعبير (لا تخطرُ) على قَلب بشر.
لأنّ أقوى قُدْرة على التَصوّر عند الإنسان هي في قُوّة الخيال.. في هذهِ الخَطرات التي تَخطرُ في ذِهْن الإنسان فيتصوّر بها الأشياء..
وإلاَّ فَإنّ العَقل قُدرتهُ على التصوّر قُدرةٌ مَحدودة؛ لأنّّ العَقل يتصوَّر ضِمْنَ مَوازين مَنطقيّة.. فالعقل لا يستطيعُ أن يتصوَّر مَثلاً إنسان طُوله عشرة كيلومتر؛ لأنّ مِثل هذا الإنسان غير مَوجود، فحينما نُريد أن نَجعلَ العقل يتصوَّر هذهِ الصُورة فإنّ العقل يرفضُ هذهِ الصُورة.
فالإمام حين قال: (قد أعطانا أكبرَ وأعظمَ مِمَّا يصِفُهُ واصفُكم أو يخْطُرَ على قَلْبِ أحدكم)
الإمام لم يتحدّث هُنا عن العقل، لأنّ قُدرة العقل محدودة - كما مرّ - ولم يتحدّث عن الوجدان لأنَّ الوجدان أيضاً قُدرتهُ محدودة.. والمُراد مِن الوجدان أي الذي نُدرك بهِ العَواطف والأحاسيس (الحُزن، الفَرَح، التعجّب... وغيرها مِن الحالات النفسيّة التي نُدركها بالوجدان).
فالوجدان أيضاً مَحدود، والحَواس أيضاً مَحدودة..
وإنّما تَحدّث عن الخطور الذي يَخطرُ في ذهْن الإنسان وهُو الخيال، لأنّ الخَيال قُدرتُهُ هائلة جدّاً.. فنَحنُ بقُوّة الخيال يُمكنّنا أن نَتصوّر إنسان طُوله مليون كيلومتر.
ومعَ ذلك فَإنّ أمير_المؤمنين "صلواتُ الله عليه" في هذا الحديث الشريف يقول أنّ مَنزلتهم لا تَخطرُ على قلب بشر..!
يعني حتّى الخيال الذي قُدرته هائلة جدّاً، فإنّه لا يُمكنهُ أن يتصوَّر عُلوّ مَنزلة أهل البيت "صلواتُ الله وسلامه عليهم" وعظيم منزلتهم..!
علماً أنّ قول الإمام أنّ منزلتهم لا تخطرُ على قلب بشر.. هذا المضمون هو نفس المَضمون الذي جاءَ في حَديث كُميل مع أمير المُؤمنين.. حِين سأل كُميل الإمام عن كُنهُ "الحقيقة" ما هي؟!
فصار الإمام يُحدّثهُ، وكلّما حدَّثهُ، كان كُميل يقول للإمام: زدني.. زدني.. زدني.. إلى أن قال الإمام لكُميل: أطفئ السِراج فقد طَلَعَ الصُبح..!
يعني إلى هذهِ النقطة وجميعُ المَدارك المَوجودة عندكَ العَقل، والوجدان، والحواس، والخَيال والتوهّم، والتخيّل، والتصوّر والبصيرة، وإدراكُ الغَيب.. إلى هُنا ويقف كلّ شيء..!
:
هذهِ هي أوصاف أئمتنا "صلواتُ الله وسلامه عليهم".. فإنّ الله تعالى قد أعطاهم أكبرَ وأعظمَ مِمَّا يصِفُهُ واصفنا أو يخطرَ على قلبِ أحدنا..!
وكيف يُمكن أن نتصوّر بهذه العقول المحدودة القاصرة مقاماتِ مُحمّدٍ وآل مُحمّد وهذا إمامُ زماننا في الدُعاء الذي يُستحبُّ قِراءتهُ يوميّاً في شهر رجب، يقول وهو يتحدّث عن حقائق آل مُحمّد:
(لا فرقَ بينكَ وبينها، إلّا أنّها عبادك وخلقك..)
هم أسماء الله تعالى وصفاته.. فهل يستطيع أحد أن يعرف كُنه صفاتهِ تعالى وكُنه أسمائه..؟!
هذه هي المعرفةُ التي يُريدها منّا أهل البيت "صلواتُ الله وسلامه عليهم"..
فهل نحنُ نعرف إمام زَماننا بهذه المعرفة النورانيّة..؟!
الثقافة_المهدوية
معرفة_أهل_البيت "صلواتُ الله وسلامه عليهم".