RB
في شباط 22, 2021
97 المشاهدات
في العاشر من شهر رجب 195هـ
كانت ولادة الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام
في ذكراه نتقدم من آبائه الطاهرين وأولاده المنتجبين بأسمى آيات التهنئة والتبريك
وإلى حفيده الإمام المنتظر كل الولاء والفداء
شبيه الأنبياء
بقلم رجاء محمد بيطار
مجلة نسيم الجنان، العتبة الرضوية المقدسة، العدد66، رجب الأصب 1440هـ
...أطرقت بحياء شديد وهي ترى إطلالة وجهه المبارك من بعيد، وأدركت ببصيرة شفافة وفطرة نقية، تعوّدت أن تحكم بهما على كل قضية، أنه من أولاد الأنبياء، وأنه هو المنقذ!
... كانت قد سيقت منذ بضعة أيامٍ إلى مكة، حيث البيت الحرام، أمةً في ثلةٍ من إماء أهل النوبة، ولكنها كانت تعلم أن نسبها يرتبط بشريفة النوبيات، أم المؤمنين مارية القبطية، زوج النبي المختار، وقد زادها ذاك حباً في النبي وآله الأطهار، كما لم يمنعها الرقّ من أن تعبد الله حق العبادة، ولا توقفت يوماً، بسبب ضيق أيامها بأحلامها، عن الاستزادة... كانت على يقينٍ من أن الله لن يتركها سدى، فهي متعلّقة به متوكّلة عليه على طول المدى.
ولم يخب فألها، فهو قد رآها، وبدا لها أنه كان ينظر إلى عمق أعماقها وسويداء فؤادها، لا إلى ظاهر إهابها..
وتأكدت ظنونها حينما رأت وكيله ينقد النخاس المال، ثم يستقدمها بكل إعزازٍ وإجلال، لتسلّم على مولاه!
وقبل أن تتساءل عن سبب معاملته، كان عليها أن تستمع لمقالته، وهو يخفض بصره إكباراً لها ويقول:
- هوذا سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا، وإني حامل إليكِ سلاماً من سيدي ومولاي الإمام موسى بن جعفر الكاظم.
ترى، أواقع ما تسمعه وتبصره أم رؤيا وخيال؟... ومن هي ليسلّم عليها سادة البشر من آل محمد؟!
ويأتيها الجواب في حديث لاحق، أن النبي المصطفى قال فيها وفي ولدها المقبل:" بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة"، كما قالت فيها سيدة النساء ، تصفها كأمٍ لتاسع الأئمة الهداة:"... وأمه جاريةٌ اسمها سبيكة، وهي سيدةٌ ذات شأن عظيم!"
رباه، هل هي الجنة قد فُتحت لها أبوابها العليا، أم أنها قد وصلت إلى عليين قبل أن تجتاز عالم الدنيا؟!
بلى، ... إنها حقاً في الجنة، وقد انتهى عالم الرق ودخلت عالم العتق، بل هو عالم الرق بالعشق، فأبو الحسن قد أعتقها وأكرمها وشرّفها ببشرى الدنيا والآخرة، وأرادها له زوجة مطهّرةً طاهرة، لتلد له وليده الموعود ذا الطلةِالباهرة، فأيقنت أن النعم قد تدفقت عليها كالسحب الماطرة.
ولم يطل الأمد، حتى حملت سبيكة بخير ولد، وكان لحملها وقعٌ عظيمٌ على معشوق روحها المقيم، فالإمام ينتظر هذا الوليد بشوقٍ قديم، فهو أول غلامٍ له وهو الوحيد.
وتمر شهور الحمل كلمح البصر، فاللحظات الجميلة تطوى كطي الجفون للنظر، فتنساب في رقة ولين، وتترك في القلب أعمق أثر، فكيف إن كانت شهور حملٍ لإمامٍ منتظر، يحدثها بروحه المقدسة المتغلغلة في أنحاء روحها، ويؤنسها بحديثٍ خفيٍّ وسمر، ويسعد فؤادها ويسليها، ويزيدها عشقاً له ولوالده الذي أعطى لحياتها وطهرها وعبادتها أجلى معانيها.
ويقبل رجب الأصب، وتُصب الرحمة على سبيكة الطاهرة فوق ما كانت تصب، ... وتدري أن كل ما مضى، قد كان هلالاً عند بدر مولاها الرضا، فهي بعدما حملت واستتم الحمل وانقضى، أقبل يوم المولد في العاشر من ذاك الموعد، وزفّت الملائكة الطفل المبارك إلى حضن عمته السيدة حكيمة، ليضيء بنور طلّته البهية عتمة ذاك المكان، وليضمه والده بعد لحظات إلى صدره العطوف بحنان، فيسكب في كِلَي أذنيه الطاهرتين الإقامة بعد الأذان.
ويحدّث الإمام أصحابه بحديثه، ممن أقلقهم تأخر إنجابه لوريثه:
- "قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم قدّست أمٌ ولدته، وقد خلقت طاهرةً مطهّرة."
ويحتفي آل البيت بتلك الولادة، وينطق الوليد المبارك بعد أيامٍ ثلاثةٍ بالشهادة، فإذا به شبيه عيسى الذي تكلم في المهد صبيا.
وتكرّ الأيام والسنون، وإذا بالرضا تغتاله يد الدهر الخؤون، ويتسلّم الجواد مهامّ الإمامة وهو لما يجاوز الثامنة، فإذا هو شبيه بيحيى الذي أوتي الحكم صبيا، ويؤتى إعجاز العلم الغزير المستلهم من علم جده المختار، فيحيّر بعلمه العلماء والأحبار، فإذا هو شبيه بموسى فالق البحار، ويقيه الله حديد نمرود زمانه المأمون، فيشابه خليل الرحمان إبراهيم. حتى إذا بلغ الخامسة والعشرين من ربيع شبابه، كاد له المتوكل كما كاد معاوية لعمه المجتبى، فسقاه السم على يد زوجةٍ غادرةٍ فاقدة الحجى.
فسلامٌ عليك يا شباب الأولياء، يوم ولدتَ في بيت الطهروالولاء، ويوم قتلتَ بكف الغدر البتراء، ويوم تبعث حياً لتشكوَ ظلامتك لرب السماء، إذ اغتالوا فيك شبيه الأنبياء.
القياس: 720 x 720
حجم الملف: 65.36 Kb
كن الشخص الأول المعجب بهذا.