كم دولاراً يساوي دينك؟
د. فخري مشكور
ما يلي قصة حقيقية شخوصها على قيد الحياة، اعرفهم شخصياً وسمعت منهم شخصياً، انصح كل من يقبل نصيحتي بقراءتها :-
... عرض المزيدكم دولاراً يساوي دينك؟
د. فخري مشكور
ما يلي قصة حقيقية شخوصها على قيد الحياة، اعرفهم شخصياً وسمعت منهم شخصياً، انصح كل من يقبل نصيحتي بقراءتها :-
بطل القصة تعرّفت عليه قبل اربعين عاماً في بغداد. كان يحمل الاف الكتب معه ويركب دراجته الهوائية ويطوف ارجاء الكرادة لينشر بين الشباب اليافعين الثقافة الممنوعة في زمن تأميم الثقافة وتأميم الوطن وتأميم الانسان لصالح أكلة لحوم البشر شاربي الدماء.
لم يكن جواسيس الصنم يرون الاف الكتب التي يحملها الرجل معه وهو يركب دراجته، لانه لم يكن يحملها على كتفه او على الدراجة، بل كان يحملها في صدره، تحت شغاف قلبه، فهي ثقافة النور الذي يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام.
خلال السنين العجاف دفع ضريبة الثقافة الممنوعة كاملة غير منقوصة، سجنا وتعذيبا وتشرّداً داخل الوطن، ثم تشرّداً خارج الوطن الى مهاجر يتبع بعضها بعضا...هجرة طويلة لم تضعف توهج شعلة الفكر التي اتقدت في قلبه فأضاءت له دربه في ازقة الحياة الضيقة ومنعطفات الهجرة الحادة.
قرر ان يجمع خلاصة ثقافته في كتاب بشري يفسر الكتاب الالهي ليدفن في ثنايا للتفسير المبسّط جواهر جمعها من بحار المعرفة وبراري الفكر من روائع ما فاضت به ينابيع سيد المرسلين واهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
انجز كتابة التفسير فكان نعم المعين للواعظين والمتعظين...سهل العبارة، واضح التعابير، لا يبتعد عن النص ولا يقترب من مسائل الخلاف، تشعر - حين تقرأه- بالخسران لأنك قضيت عمراً لم تكن فيه تعرف معاني القران.. كانت تمنعك مشاغل الحياة من الرجوع للمطولات، فترضى بالقراءة للثواب، تاركاً التفكير بمعاني الكتاب.
بحث عن من يطبع كتابه فيشاركه ثوابه، لكنه وجد الكثرة من التجار تهتم بالشهرة لا بالاخيار.
بقي الكتاب مخطوطاً في مكتبته وعجز عن طباعته لضيق ذات يده.
اخيرا باع بعض متاع دنياه لكي يقدم عملا لاخراه، وطبع الكتاب في الشام فانتشر بين الخاص والعام ولقي رواجا بين صفوف المؤمنين وتخطى حواجز المتمذهبين المتعصبين، وراج الكتاب في بلاد الخليج التي دخلها بلا جلبة او ضجيج.
وهنا تبدأ القصة التي رواها لي شاهدان حاضران، وأيدها لي صاحب التفسير:
كان يجلس في بيته الصغير في احد الاحياء الفقيرة في ريف دمشق قرب السيدة زينب، ساهماً في تفكير عميق لحل مشكلة استعصت على فلاسفة الاغريق، توصف بأنها لغز، وتدور حول الخبز، وتتلخص بسؤال واحد لا يعرفه الا الاله الواحد: كيف يدبّر العفيف لاطفاله السبعة ثمن الرغيف؟
لم يكن مهموما ولا يائسا، لكنه كان يبحث عن السبل الممكنة التي جعل الله رزقه فيها مع حفظ كرامته، فقد كان مثالا للذين يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف.
الباب تطرق...
من الطارق؟ انه لا ينتظر احدا، فمن على الباب؟
- قم بابا، افتح الباب
يفتح ابنه الباب فيجد رجلين بزيٍّ خليجي يسألانه:
- هل هذا بيت فلان؟
- نعم
- نحن من السفارة السعودية، نريد الوالد
يعود لأبيه يخبره فيخرج الاب اليهما، يسلم عليهما ويدعوهما للدخول وهو لا يعرفهما.
يجلس الضيفان وأحدهما يحمل حقيبة، بينما يتحدث الاخر بلا مقدمات قائلاً:
- نحن نعرف انك شيعي، مع ان اسمك المكتوب على التفسير لا يدل على ذلك
- طيب
- ان كتابك قد دخل الى السعودية وانتشر قبل ان يعرف الناس انك شيعي
- طيب
- وهو كتاب جيد ولقي رواجاً
- الحمد لله
- ونحن نريد ان نشتري منك حقوق المؤلف كاملةً لكي نتولى الطبع والنشر في المملكة اذا كنت توافق على مقترح بسيط
- وهو؟
- نريد اجراء تعديلين بسيطين...فقط بضعة اسطر
- وما هما؟
- التعديل الاول: حول آية والسارق والسارقة فاقطعوا ايدهما.
- وما في الاية؟
- ليس في الاية، في التفسير
- كيف؟
- انت كتبت الرأي الشيعي الذي يقول بقطع الاصابع لا الكف، وهذا غير مقبول عندنا، نريد ان نحذفه او نبدله بالرأي السني
- والامر الثاني؟
- يتعلق بآية الولاية لعلي بن ابي طالب
- ماذا بها؟
- تحذفها
ثم مد يده الى الحقيبة التي عند صاحبه وتناولها وفتحها وهو يقول: " وهذه مليون دولار حق المؤلف نقداً ان وافقت على التعديل"
نظر المؤلف الى الدولارات المنضودة المتراصة في الحقيبة فأصابه الدوار...ونظر اولاده الجياع اليها فسال لعابهم. وساد صمت رهيب لم ينبس الضيوف ولا صاحب الدار خلاله ببنت شفة، والتزم الاولاد الادب فسكتوا كما سكت عمهم - الذي كان حاضراً بالصدفة- وبقوا ينتظرون قرار الشيخ.
بعد لحظات قطع الشيخ الصمت ورفع رأسه وقال:
- لا يمكن
- مليون دولار ايها الشيخ، نقداً !
- لا، لا اوافق
- لماذا؟
هنا قال الشيخ بنبرة تختلط فيها مشاعر الولاء لصاحب الغدير بمشاعر الاب الذي يلذعه جوع اولاده ، وتصوره لعواقب هذا الخيار:
- وماذا اقول لعلي بن ابي طالب يوم القيامة؟ أقول له بعتك بمليون دولار؟ لا، لا....لا اوافق
- الا تحتاج للتفكير؟ ام انه موقف نهائي؟
- ابدا...لا اوافق
اغلق الرجل الحقيبة واعادها لصاحبه الذي حملها معه وقام مستأذنا فقام الشيخ عبد الامير هويدي وودعه الى الباب. خرج الضيف بالمليون دولار، وعاد الشيخ بولاية علي بن ابي طالب