===============
الاصلاح ... يعني البقاء
سيد عباس المراقب
... عرض المزيد===============
الاصلاح ... يعني البقاء
سيد عباس المراقب
احبتي الكرام ..
التغيير من سنن الحياة الطبيعية ، التي يسعى إليها الانسان ، لإحداث النمو والتقدم في حياته نحو الأفضل ، وذلك ما يعطي للحياة معنى حقيقي ومهم ، وفي المقابل يعتبر التغيير من أصعب الأمور التي قد تواجه الانسان ، لما به من مخاطر قد تثير الخوف ، ولما تحتاجه من إرادة قوية ، ومجاهدة للنفس ، وعمل دؤوب لتحقيق هدف التغيير .
لان كل أزمة تقريبا تحمل في طياتها مقومات نجاحها ، وكذلك أسباب فشلها .
وقبل الولوج والخوض في غمار هذا المصطلح - الإصلاح - نجد انه من الضروري أن نقدم له بمقدمة تكون مدخلا لهذا الموضوع .
المدخل الاول : هو القرآن الكريم ، حيث يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم : " إن اريد إلا الإصلاح ، ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " .
المدخل الثاني : السنة النبوية والعترة الطاهرة ( صلوات الله وسلامه عليهم ) .
قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) ،
" اني لم أخرج أشرا ، ولا بطرا ، ولا مفسدا ، ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف ، وانهى عن المنكر فمن قبلني ، بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين ) .
فالإصلاح ايها السادة الأفاضل ، ضرورة لكل امة ، وفي كل عصر وزمان ذلك أن عوامل الفساد والانحراف ، حينما يتسرب إلى داخل جسد الأمة ، ويتعشش فيها فإن السكوت عنه ، وعدم مقاومته ، يجعل الفساد منتشرا ، والظلم مهيمنا ، لذلك تحتاج الأمة إلى الإصلاح في كل وقت ، إما لمقاومة الفساد ، او لمقاومة الجمود ، فالجمود والركود لون من ألوان الفساد .
فالأمة تحتاج إلى التطوير والتقدم ، حتى لو فرضنا انه ليس هناك ظلم وفساد ، لكن الركود والجمود على نفس المستوى من العيش هو بحد ذاته ظلم ، ومنتج للفساد والانحراف .
لهذا تكون الدعوة والكلام عن - التغيير والإصلاح- تنطلق من واقع حال ، ومن مطلب شعبي يعيشه الناس ، وهو المطلب الذي يحيي الأمل بالغد و بالمستقبل.
وبغض النظر عن اختلاف مطالب الشعوب ، في كل قطر من الأقطار ، إلا أنها تتفق على اسس عامة ، هي الحرية بكافة أشكالها ، وضمان الحقوق ، والحفاظ عليها ، ومحاربة الفساد وما يتنافى مع تحقيق المساواة بينهم ، وتحقيق العدل في جميع مناحي الحياة داخل الدولة .
فكلمة الإصلاح الواردة في الآية المباركة اعلاه ، وكلمة الإصلاح التي خرجت من فم المعصوم ، نجد أن هذا الثنائي ، ثنائي متكامل فلا مباينة ، ولا مزايلة ، وإنما ملاقاة ومعانقة ، وانسجام وادغام.
الإصلاح سادتي الأفاضل مسؤلية يتحملها الواعون من أبناء الأمة ، اما اذا اكتفوا بالتفرج ، او التذمر مما يحدث ، فانهم مسؤولون أمام الله والتاريخ عما يجري عليهم : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم ، وأهلها مصلحون " ، صحيح ان من طبع البشر ، ممارسة الفساد والظلم على أنفسهم ، ولكن ينبغي أن يقابله إصلاح ومقاومة الظلم ، وإلا كان الهلاك مصير المجتمع والأمة.
فحديث القرآن عن السكوت على المنكر ، والوقوف موقف السلب من مقترفيه - حكاما او محكومين - حديث يزلزل كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.
يقول القرآن: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، لبئس ما كانوا يفعلون . " .
بل الأكثر من ذلك اننا نجد في القرآن ، أن السكوت عن الظلم والتهاون فيه ، يوجب العذاب على الأمة كلها ، الظالم والساكت عنه كما قال تعالى : " واتقوا فتنة لا تصين الذين ظلموا منكم خاصة " .
فاعتبر القرآن سير المظلوم في ركاب الظالم ، واستكانته له مما يقتضي الذم والتوبيخ ، بل جعل القرآن مجرد الركون والميل النفسي إلى الظالمين موجبا لعذاب الله :" ولاتركنوا إلى الذين ظلموا ، فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " .
أن اهتمام الإسلام السياسي الرئيس كان يتمثل تاريخيا في بناء مجتمع إيديولوجي نقي تتحقق فيه مثل الإسلام وان السيطرة على الدولة واسلمتها هي الطريق الرئيس لتحقيق هذه الغاية لأنهم يعتبرون الدولة هي المؤسسة الاقوى والاقدر على إقامة الخير ومحو الشر من مجتمع المسلمين .
لقد هزت ثورة الإمام الحسين ( صلوات الله وسلامه عليهم ) ، وجدان الانسان في كل مكان وقد جاهد بالكلمة والسيف لإعلاء كلمة الحق والعدل فاستحال دمه الطاهر ، لهيبا يحاصر قوى الشر ، ويقض مضاجعهم في كل العصور .
أجل... لم ينطق الإمام بابي هو وامي بأكثر من كلمة واحدة إلا وهي - الإصلاح- ، لتعليل خروجه هو وأهل بيته ، من المدينة إلى كربلاء وان كل الكلمات والالفاظ ، الي وردت في حديثه الشريف ، هي معللة لهذه الكلمة - الإصلاح- ، فهي كلمة جامعة مانعة تشكل هي ونقيضتها - الفساد- ثنائي هذا الكون بداية ونهاية .
ومما يدل على فضيلة كلمة الإصلاح اتساع ميادينه، ورحابة مجالاته ، فبقدر ما تكثر بين الناس المنازعات وترتفع في مجالسهم الخصومات ، ويتهدد بناء المكونات والمنظمات ، وتسوء علاقات الأفراد والجماعات ، بقدر ما تكثر ميادين الإصلاح ، وتتسع حلوله وتتعدد أساليبه وطرقه ، حتى انه ليسع الناس في دمائهم ، وأحوالهم ، وافعالهم ، وكل ما يقع فيه الإفساد والاعوجاج وتطوله يد البغي والإجرام.
الإصلاح الذي طلبه الإمام روحي له الفداء ، في امة جده سادتي الأفاضل هو من اجل انهاء الظلم ، والاضطهاد والتجويع ، وتحريف الدين ، واختلاس أموال الأمة.
فالسرقة غدت يا سادتي ، عنوانا وعلامة فارقة يتميز بها مسؤولي النظام الجديد ، وصار تضليل الناس جزء من لعبة يعيشها المواطن ، من خلال التسويف والكذب والخديعة ، وتزوير كل شيئ وفي ذلك دليل على أهمية- التغيير والإصلاح- فمن يتابع حركة الإعلام المقروء ، والمسموع ، والمشاهد ، فإنه يلمس كل تلك الخروقات ، وكل تلك المفاسد ويلاحظ حجم وسعة جملة الاختلاسات ، والسرقات في العراق الجديد .
فالعبث والمحسوبية ،والرشوة ، وعدم الإحساس بالمسؤولية الوطنية ، سمات يتصف بها من هم في سدة المسؤلية والحكم .
ولكن ما هذا الخمود في الهمم الذي يعترينا نحن معاشر المجاهدين ، وما بالنا قد فت في عضد الكثير منا الخمول والضعف والانطواء.
لماذا حل بنا هذا التقاعس والانهزام لماذا أصبح ماضينا عار علينا ، نتمنى انه لو لم يكن .
فالإمام الحسين ( عليه السلام ) الذي نبكيه صباحا ومساء ، كان ومايزال وسيبقى شمس تحرق وجوه الطغاة ، وثورته مدرسة العزة والكرامة والإباء ، كشفت زيف المتسترين برداء الرسالة الطاهرة .
سادتي الأفاضل باتت الجماهير الكادحة لا تريد العيش على الطريقة السابقة ، فهي تطالب بالتحولات الجذرية ، وليس بانصاف الحلول ، لأنهم ملوا الاستماع إلى الوعود الكاذبة ، لان الفقر ايها السادة في ظل الأوضاع الراهنة ، وغلاء المعيشة ومتطلبات الحاضر ، بات عائقا لضمان عقيدة الفرد ، وكفانا عبثا اللعب بالعامل الديني فقد اكتشفه الجميع ، وكفانا وعودا وعهودا ، ولنضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار لان حالة المد الثوري قد تزداد فعاليتها على نحو حاد ، لأنه من السنن الطبيعية لأية ثورة .
لقد فشل كل الذين تطلعوا إلى السلطة ، من الاسلامين واودوا بجماعاتهم إلى الهلاك ، والذين نجحوا منهم سقطوا في شباك الدكتاتورية وحكم الفرد وعبادة النصوص .
أن النقد الذاتي ايها السادة ، حركة ديناميكية صحية متطورة وأداة إنضاج للوعي ، والحل هنا يكمن في نقد الماضي ، ومراجعته، وتحديد أخطائه من اجل تلافيها في الحاضر وتوظيف ذلك معرفيا وموضوعيا في المستقبل .
لان نقاط الخلل في مسيرة الحركات الاسلامية كثيرة ، سواء على صعيد القيادة ، او المناهج ، او الفكر ، او المفاهيم ، او التفاعل بين الظروف والنصوص ، والمدنس والمقدس والواقع .
والمسألة هنا ليست اتهاما للحركات الاسلامية ، او دفاعا عنها بقدر ما هو قراءة لواقع ، كان من الممكن أن يتبدل اذا راعت الحركات الاسلامية في مسيرتها بعض الأمور التي لا غنى لأي حركة ريادية ترنوا للتغيير الجذري لمجتمعها.