*المجتمع الشيعي الآذربيجاني*
_________________________
*علي المؤمن*
المجتمع الشيعي في جمهورية آذربيجان هو امتداد إنساني ووطني ومذهبي للمجتمع الشيعي الإيراني عموماً، والمجتمع الاذربيجاني الإيراني ... عرض المزيد*المجتمع الشيعي الآذربيجاني*
_________________________
*علي المؤمن*
المجتمع الشيعي في جمهورية آذربيجان هو امتداد إنساني ووطني ومذهبي للمجتمع الشيعي الإيراني عموماً، والمجتمع الاذربيجاني الإيراني خصوصاً، على اعتبار أن جمهورية آذربيجان وغيرها من أراضي القوقاز الجنوبي، كجمهوريات أرمينيا وجورجيا وقره باغ وجزء من داغستان، كانت حتى العام 1828جزءاً من أراضي إيران، قبل احتلالها من روسيا القيصرية، إثر هزيمة ايران في حربين كبيرتين مع روسيا. وقد أدى ذلك الى تمزق اجتماعي وانساني كبير في المجتمع الشيعي الآذربيجاني؛ إذ بقيت الأكثرية القومية "الآذرية" (الآذربيجانية) تعيش في مناطقها ضمن الدولة الإيرانية، بينما انفصلت الأقلية الآذرية التي اقتطعت روسيا أراضيها من إيران، وبقيت في آذربيجان الشمالية وقره باغ ونخجوان ولنكران وأرمينيا وجورجيا وداغستان، وهي مناطق ذات حضور قومي آذربيجاني كثيف.
وبعد تأسيس الإتحاد السوفيتي وضم آذربيجان إليه، منعت السلطات الشيوعية استمرار تواصل الشيعة الآذربين في الجمهوريات السوفيتية، مع مؤسساتهم الدينية الشيعية في ايران والعراق، وهو التواصل الطبيعي الذي ظل قائماً طيلة قرون طويلة، شأنهم شأن كل المجتمعات الشيعية الأخرى. وحينها استمر نزوح الآذربيجانيين الى الداخل الإيراني والى العراق، هرباً من القتل أو من عمليات السلخ الديني المذهبي الاجتماعي، وذلك استمراراً لنزوحهم الكبير بعد الاحتلال الروسي القيصري. وتسبب ذلك في موجة جديدة من تمزق المجتمع الشيعي الآذري، والتي جعلت أبناء الأسرة الواحدة موزعين بين آذربيجان وروسيا وارمينيا وجورجيا وايران والعراق، وهو تمزق اجتماعي سياسي قانوني لانظير له في أي مجتمع شيعي آخر، الأمر الذي كانت له انعكاسات كارثية على وحدة المجتمع الشيعي الآذربيجاني وتماسكه وعلاقته بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي.
ويمكن القول بأن شيعة جمهورية آذربيجان المستقلة، حديثوا عهد بحقائق التشيع والنظام الاجتماعي الذي يفرزه، إذ بدأت عودتهم اليهما مع سقوط الاتحاد السوفيتي في العام 1992، بعد (100) عام من الاحتلال القيصري الروسي، ثم (70) عاماً من الحكم الشيوعي السوفيتي، الذي قمع أي مظهر ديني شخصي واجتماعي ومؤسَسي. ولذلك؛ لم يتسن لشيعة آذربيجان خلال العقود الأربعة التي أعقبت الإستقلال، التحول الى مجتمع ديني شيعي متماسك، رغم أن نسبتهم تبلغ 80 بالمائة من سكان آذربيجان. ويعود سبب عدم استقرار عملية إعادة تأسيس المجتمع الشيعي الآذربيجاني، الى سياسات النظام العلماني الإقصائية المعادية للدين والمذهب، وهو نظام يحكمه المسؤولون الشيوعيون السابقون أنفسهم، والذين استمروا في الإمساك بالسلطة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال آذربيجان، رغم كونهم من أسر شيعية.
وقد عمل النظام الآذربيجاني العلماني الجديد، وبكل أساليب القمع والدعاية، على منع المظاهر الدينية الشيعية ونموها، وسد الطريق أمام أي تأثير ايديولوجي شيعي قادم من إيران ومؤسساته الدينية، الى جانب انخراطه في المنظومة القومية للدولة التركية، وتشجيع التبشير السني التركي بصيغته القومية العلمانية، بدعوى الأصول التركية للقومية الآذرية، والسماح للنشاط التبشيري الوهابي السعودي، وكذلك فتح الأبواب أمام إسرائيل للاستثمار السياسي والاقتصادي والمخابراتي الواسع في آذربيجان. وهذه هي المخاطر الواقعية الأربعة الأساسية التي تواجه المجتمع الشيعي الآذربيحاني في صميم عملية إعادة تكوينه الديني المذهبي.
ولعل من الأمور التي تدعم مساعي إعادة تكوين المجتمع الديني المذهبي الآذربيجاني، وتنسجم مع المزاج القومي الآذري، هو أن عدداً نوعياً كبيراً من القادة والمراجع الشيعة المعاصرين هم من القومية الآذرية، كالسيد أبي القاسم الخوئي والسيد محمد كاظم شريعتمداري والشيخ جواد التبريزي والشيخ محمد الفاضل اللنكراني والشيخ جعفر السبحاني والشيخ محمد باقر الإيرواني والسيد علي الخامنئي. وهذا الأمر يذكِّر بما يتميز به الآذريون من ناحية كثرة ما أنجبوه من المراجع والفقهاء والمفكرين والمثقفين الشيعة. فكل علماء الدين الذين يحملون ألقاب: إيرواني، لنكراني، نخجواني، بادكوبي، زنجاني، همداني، شبستري، أردبيلي، خلخالي، تبريزي، خوئي، خامنئي؛ هم من القومية الآذرية، رغم أن كثيراً منهم من السادة ذوي الأصول العربية.
ولعل أهم إنجاز تاريخي شيعي يحسب للآذريين هو قيامهم بتأسيس الدولة الصفوية، إذ كان الآذريون ملوك الدولة وحكامها وحاضنتها الاجتماعية وعماد قواتها المسلحة، فالصفويين ليسوا فرساً، بل آذريين من أصول عربية عراقية، ومن السادة الموسويين. ولذلك؛ ظلت لغة البلاط الإيراني والدولة والجيش هي اللغة الآذرية قرون طويلة من حكم الدول الصفوية والأفشارية والزندية والقاجارية. وبالتالي؛ فإن إنجاز تثبيت المذهب الجعفري مذهباً رسمياً في الدولة الإيرانية هو إنجاز آذري في جانبه السياسي والقانوني، وعربي (عراقي ولبناني وبحراني) في جانبه العلمي والتبليغي.
ويتميز المجتمع الشيعي الآذربيحاني ـ تاريخياً ـ بأنه مصدر أغلب طقوس العزاء الحسيني التي تتميز بالقوة والعنف، والتي راجت في ايران والعراق، بسبب زيارات الآذربيجانيين الى المدن الشيعية المقدسة في ايران والعراق وإقامتهم فيها. ولعل بعض هذه الطقوس انتقل الى الآذريين من شيعة القوقاز الآخرين، لأن الشيعة الآذريين كانوا ولايزالون حلقة الوصل بين شيعة ايران والعراق وتركيا من جهة، وشيعة روسيا وتتارستان وداغستان والشيشان وجورجيا وأرمينيا من جهة أخرى، وهم أقوام يتميزون ــ غالباً ــ ببنيتهم البدنية القوية ومزاجهم الحاد.