❤️بين يديكِ مولاتي أقدم هذا الجهد الكليل❤️
❤️وإليك أتشفّع في عملي القليل❤️
❤️فالكوثر منك وإليك يتناهى ويميل❤️
❤️وأنت الأصل والفرع والولاء الأصيل❤️
❤️في مولدك الميمون نمتاح لطفك ونسألك عطفك❤️... عرض المزيد❤️بين يديكِ مولاتي أقدم هذا الجهد الكليل❤️
❤️وإليك أتشفّع في عملي القليل❤️
❤️فالكوثر منك وإليك يتناهى ويميل❤️
❤️وأنت الأصل والفرع والولاء الأصيل❤️
❤️في مولدك الميمون نمتاح لطفك ونسألك عطفك❤️
❤️❤️ونقدم لحفيدك العظيم أرقى آيات التهنئة التي لا تفيك وصفك ❤️❤️
(مقتطف من كتابي "قاب قوسين أو أدنى من الحسين عليه السلام")
((وتُشرق عيناها أكثر، كوكبان يزهران الوجود، ويطوفان أرجاء الماضي والحاضر والمستقبل الموعود، وقد صار الزمن في رحابهما سِفراً مفتوحاً يستوي الآخر عنده بالأول..
وتنثال الكلمات تملأ مهجتي المنكسرة، ثم صفحتي المنتظرة، فكراً وذكراً وثناء. وأستشعر سؤالها الرؤوم يخترق جوانحي، أن من أين ترتجين أن نبدأ، فأجيب بملء جوارحي:
- مولاتي، من البداية، من مولدك الميمون الذي كان للعالمين آية..
وتنصبّ الأفكار عليّ، تماماً كأشعة النور المنسكبة من ذاك الكوكب الدريّ:
- تلألأت منابر الضياء تنتصب شامخةً فوق جبل فاران، وطأطأ كل شريفٍ وبخع كل متكبّرٍ وخضع كل متجبّر، وذلّت الأشياء لأشرف الأنبياء.. وأشرقت الأرض بنور ربها فسجدت على تراب مكة السماء..
هو جبريل يهبط من عليائه، فارداً جناحيه ملء المشارق والمغارب، مظلّلاً لأوليائه، .. ويتساقط الوحي بلسماً على فؤاد والدي الحبيب، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله:
(( إنا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربّك وانحر، إن شانئك هو الأبتر))
.. ويقبل على بيت أمي الطاهرة خديجة، حيث الهناءة والحب والأواصر الوشيجة، والأمومة والطفولة والبراءة، وكل ما أنعم به الباري على نبيّه من جمال وكمالٍ ووضاءة..
فها هنا وُلد أحبابه، القاسم والطاهر، وها هنا استردّ المودع ودائعه، فكان الحبيب لفراقهم صابراً محتسبا، وقد علم أن الله لن يكون لظنّه مخيّبا، وها هنا وُلدتُ "أنا"، "النسلة الطاهرة الميمونة" كوثر الدنيا والآخرة، ودرّة العرش المكنونة.
وأدرج أمامه، تستقيم خطواتي متتبّعةً أقدامه، فيرفعني، وما يرفع إلا أحلامه، .. وهل رفعة المصطفى إلا بلوغ سدرة المنتهى؟!..
أوليس من ثمارها كانت طينتي، ومن أريجها نفحتي، حتى إذا اشتاق لريح الجنة أقبل يلثم وجنتي؟!
بلى..
وعلى كفيه ترعرعتُ، بين وحيٍ عالقٍ بأردانه، وذكرٍ يتناثر ملء وجدانه، وشكرٍ على النعماء والبلاء، وخلقٍ عظيمٍ خصّه به رب السماء.
أما والدتي الطاهرة، فسيدةٌ لم يسبق لها مثيلٌ في تلك الديار العامرة؛ .. هي خديجة، وما أدراكم من خديجة!
يكفي في وصفها أنها الكبرى، فهي في عناوين الخلق أحسنهم وأرقاهم طرّا.
وأما الحنان، فلعله من ربوع ذلك البيت كان ينبوعه الأساس، فمن كانت على زوجها النبيّ أحنّ من الأم على الصبيّ، أفلا تكون لطفلتها الميمونة مثالاً لا يُدرك ولا يُقاس، للوالدة الرؤوم الحنون؟!
ولعلنا استقينا من معينٍ واحد، أنا وهي، ففاض البحر ليغمر الطهر، ولعلني كنت أغنيها بذلك الذخر، فنزداد ولهاً وحباً ويفيض بيننا عبير الفجر.
ولكن المولى شاء أن يعاود على نبيه ثم عليَّ الابتلاء، لا بالقاسم والطاهر هذه المرة، بل بخديجة الغرّاء..
ولعل اليتم في الصغر هو قدر الأولياء، فكما كان والدي الأحبّ يتيماً، وقد آواه الرب بمأواه، كذا بلوتُ في طفولتي اليتم، فكان لي وهو اليتيم الأول، نعم الأب والأم، .. وغدوت وأنا في الخامسة من عمري أحمل أول هم.
ولئن غاب بدر الأمومة يومئذٍ عن فضاء وجودي، فقد كان لي في شمس النبوة والأبوة ما ملأ كياني بعشق معبودي، حتى أصبحتُ وأنا في حداثة سني، قمراً عُلوياً يستمدّ من شمسه الضياء، فهو أبداً متوهّجٌ بشعاعها، إذ يعكس بضيائه ذاك السناء.
وأرى في عينيها أطياف دموع تمتزج بذلك السطوع، فأغضّ الطرف في خشوع..
وتتابع سيدة الأنوار حديثها، وتتوالى الأفكار:
- طفلةٌ أنا.. لا تكاد أترابي يعرفن مخارج الحروف ومنازل الكلمات، فإذا أنا أتلو مع والدي البراهين والآيات، وأتعلم من علمه اللّدنيّ، ويزقّني سيد الخلق بالفهم النبويّ، فأرفل بأمومتي له منذ طفولتي، فإذا أنا خير أمٍّ وابنةٍ لخير نبيّ، .. كل هذا قبل أن تنسج لي الملائكة ثوب عرسي العلوي خلف الحجب، .. وإنه لعجبٌ ما فوقه عجب!..
"أم أبيها".. ما أغربه وما أحلاه من لقب!..
أقد بلغ بك الحب يا أبتاه لطفلتك المصطفاة، وبضعتك المجتباة، أن ترى فيها حنان الأم متآخياً مع بنوة الفتاة؟!
أم لعله كمال القلب الذي وهبنيه المولى تعالى، قد بلغ بي أن يتّسع وجودي ليضمّ أنوار نبوّتك، فأرقى فوق شرف بنوّتك، لأكون لك أماً وابنةً في الوقت عينه؟!
بلى.. هو ذلك السبب، وأم أبيها، بضعةٌ منه، وفلذةٌ من فؤاده، منه وإليه، ولذا فقد كان لا بد من توصيفها كما أوحى الله إليه.
ولكن، أبتاه، ترى أي بضعةٍ منك أكون؟!
أهي يدك الطاهرة التي طالما ارتفعت في نجوى ربك الأكبر؟!.. أم هو رأسك الشريف المتوّج بهالاتٍ من نورٍ أزهر، أم هو لسانك الدائم على الذكر لا يفتر، أم هو جبينك المكرّم الذي لا يزال بسجودك بين يديه يتعفّر، أم هو قلبك النابض بعشق الله، وقد اتّسع حباً وحناناً ليكون عنوان نبوّتك ومحطّ رسالتك، وأنيس الروح القدس وصفيّ الملائكة المقرّبين، حتى صاروا يتنشّقون أنفاسك ويرتقون بها إلى عليين، ويتمسّحون ويتوسّلون بذريّتك الأطيبين، وقد علموا كما علم البشر بعد حين، أن سلالة خاتم الأنبياء ستكون مني، أنا تلك الطفلة الناصعة الفؤاد والجبين....))